14 عامًا على رحيل الفنان عمر الحريري: مسيرة فنية حافلة بالتميز والإبداع
يصادف اليوم الخميس، الموافق السادس عشر من أكتوبر عام 2025، مرور أربعة عشر عامًا على رحيل قامة فنية مصرية أصيلة، الفنان عمر الحريري. غادر عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2011، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا يوثق حقبة ذهبية في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون العربي. لم يكن رحيله مجرد فقدان لممثل، بل لنموذج فريد من التفاني والإتقان في الأداء، ما يفسر استمرار ذكراه وأعماله في قلوب محبيه وعشاق الفن حتى يومنا هذا.

بداياته الفنية وشغفه المبكر
وُلد عمر الحريري في القاهرة عام 1926، ومنذ نعومة أظفاره، بدت عليه ملامح موهبة فنية فطرية وشغف لا يضاهى بعالم التمثيل. هذا الشغف المبكر دفعه إلى الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث صقل موهبته وتلقى تعليمًا أكاديميًا صارمًا في فنون الأداء. تخرج من المعهد عام 1947، ليبدأ بعدها مباشرة رحلته الاحترافية في عالم الفن، مظهرًا إصرارًا وعزيمة على ترك بصمة واضحة في هذا المجال. كانت تلك الفترة بمثابة الحجر الأساس الذي بنى عليه مسيرته الطويلة والحافلة بالإنجازات، حيث تشبع بالأسس والتقنيات التي جعلت منه ممثلاً قادرًا على التكيف مع مختلف الأدوار والأنماط الفنية.
مسيرة فنية غنية بالأدوار المتنوعة
امتدت مسيرة عمر الحريري الفنية لأكثر من ستة عقود، تنقل خلالها بين خشبة المسرح وشاشة السينما والتلفزيون، مقدمًا ما يزيد عن مائة وثمانين عملًا فنيًا. تميز بقدرته الفائقة على تجسيد شخصيات متباينة، من الأرستقراطي الأنيق والباشا ذي الكلمة، إلى الأدوار الكوميدية التي تتسم بالبساطة والعفوية، مرورًا بالشخصيات الدرامية المعقدة التي تتطلب عمقًا نفسيًا. هذا التنوع كان السمة الأبرز في مسيرته، وجعله مطلوبًا باستمرار من كبار المخرجين وكتاب الدراما.
- السينما: تألق الحريري في العديد من الأفلام الخالدة، مقدمًا أدوارًا لا تُنسى. من أبرزها دوره كـ "أرناط" في فيلم "الناصر صلاح الدين" عام 1963، حيث أظهر قدرة على تجسيد الشر ببراعة. كما شارك في أفلام مثل "سكر هانم"، "أغلى من حياتي"، "الخائنة"، و"المذنبون". كانت له بصمة واضحة في أدوار الرجل الأنيق والراقي، وهو ما ميزه عن أبناء جيله.
- المسرح: كانت خشبة المسرح ميدانه الأول ومحبته العظمى. أبدع في مسرحيات لا تزال عالقة في الذاكرة، أبرزها دوره كـ "القاضي" في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" مع النجم عادل إمام، حيث قدم أداءً كوميديًا راقيًا ومختلفًا. كما شارك في مسرحيات مثل "يا ناس يا عسل" و"مراتي فنانيس". المسرح منح الحريري فرصة للتفاعل المباشر مع الجمهور، وأظهر قوته في الحضور المسرحي والارتجال.
- التلفزيون: على الرغم من أن أعماله التلفزيونية ربما لم تحظ بنفس القدر من الشهرة الأيقونية لأعماله السينمائية والمسرحية، إلا أنه كان حضورًا دائمًا ومهمًا في الدراما التلفزيونية المصرية. شارك في عدد كبير من المسلسلات التي أثرت الشاشة الصغيرة وقدم من خلالها شخصيات متنوعة أكدت مرونته التمثيلية.
تأثيره وذكراه الخالدة
لم يكن عمر الحريري مجرد ممثل يؤدي الأدوار، بل كان فنانًا يضيف إليها من روحه وخبرته، مما يجعل كل شخصية يجسدها فريدة ومميزة. صوته الرخيم، وحضوره الأنيق، وقدرته على الانتقال السلس بين الكوميديا والتراجيديا، كلها عوامل جعلت منه أحد أبرز نجوم عصره. ترك بصمة لا تُمحى في قلوب المشاهدين وفي تاريخ الفن المصري.
تكمن أهمية ذكراه اليوم، بعد أربعة عشر عامًا من رحيله، في أنها تذكر الأجيال الجديدة بقيمة الفن الأصيل والممثلين الذين كرسوا حياتهم لإثرائه. أعماله لا تزال تُعرض وتُشاهد، وتلقى إعجابًا كبيرًا، وهو ما يؤكد أن الفن الحقيقي لا يموت. يعتبر عمر الحريري رمزًا للتفاني المهني والجودة الفنية، ومصدر إلهام لكل من يسعى للتميز في هذا المجال. تظل مسيرته الفنية نموذجًا يحتذى به في التنوع والإتقان والتأثير الثقافي العميق، محتفظًا بمكانة خاصة كواحد من عمالقة التمثيل في العالم العربي.





