«كيو نو ريوري» الياباني: أقدم برنامج طبخ تلفزيوني في العالم يدخل غينيس

أعلن مؤخراً عن دخول برنامج الطبخ الياباني الشهير «كيو نو ريوري» (Kyo no Ryori)، والذي يعني «مطبخ اليوم»، موسوعة غينيس للأرقام القياسية بصفته أقدم برنامج طبخ تلفزيوني مستمر في العالم. يأتي هذا التكريم بعد مسيرة حافلة استمرت لأكثر من 65 عاماً، حيث يُبث البرنامج بانتظام على شبكة هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (NHK) منذ أول حلقة له في الرابع من نوفمبر عام 1957. ويعكس هذا الإنجاز مكانة البرنامج الفريدة في الثقافة اليابانية ودوره المحوري في تشكيل العادات الغذائية لأجيال متعددة.

الخلفية والنشأة

انطلق برنامج «كيو نو ريوري» في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كانت اليابان في مرحلة إعادة البناء والتحديث، وكانت الأسر اليابانية تبحث عن طرق لتقديم وجبات مغذية واقتصادية. جاء البرنامج ليقدم حلاً عملياً لهذه الحاجة، حيث ركز في بداياته على تعليم ربات البيوت أساسيات الطبخ الياباني التقليدي، بالإضافة إلى تقديم وصفات جديدة ومبتكرة باستخدام مكونات متوفرة. لم يكن الهدف مجرد تقديم وصفات، بل تعليم مهارات الطهي الأساسية وفنون المطبخ، مما جعله مرجعاً لا غنى عنه للمبتدئين والطهاة المتمرسين على حد سواء.

على مر العقود، تطور محتوى البرنامج ليواكب التغيرات في المجتمع الياباني والعالم. فبينما حافظ على جوهره في الترويج للمطبخ الياباني الأصيل، استعرض أيضاً المأكولات العالمية، وقدم نصائح حول التغذية والصحة، وتناول قضايا تتعلق بالسلامة الغذائية والاستدامة. وقد ساهم هذا التنوع في الحفاظ على جاذبيته لجمهور واسع يشمل جميع الأعمار والفئات الاجتماعية، مما يؤكد قدرته على التكيف مع التحديات والاحتياجات المتغيرة.

الأثر الثقافي وأهميته

يُعد «كيو نو ريوري» أكثر من مجرد برنامج طبخ؛ إنه مؤسسة ثقافية يابانية. لقد لعب دوراً حاسماً في الحفاظ على المطبخ الياباني التقليدي ونقله من جيل إلى جيل، مع إدخال لمسات عصرية للحفاظ على حيويته. كما ساعد في تعريف الجمهور الياباني بأنماط الطبخ الإقليمية المختلفة، وكذلك المأكولات من جميع أنحاء العالم، مما أثرى المشهد الطهوي في البلاد.

أحد أبرز سمات البرنامج هو التركيز على استخدام المكونات الموسمية (旬 - Shun)، وهي فلسفة جوهرية في المطبخ الياباني تؤكد على استهلاك الطعام في ذروة نضارته ونكهته. وقد غرست هذه الفلسفة لدى المشاهدين تقديراً عميقاً للطبيعة والتناغم بين الطعام والبيئة. كما أن تقديمه لوصفات عملية وسهلة التنفيذ شجع ملايين اليابانيين على دخول المطبخ وتجربة أطباق جديدة، مما أثرى حياتهم اليومية وعزز الروابط الأسرية حول مائدة الطعام.

السمات الرئيسية وجاذبيته المستمرة

يتميز «كيو نو ريوري» بالعديد من الخصائص التي ضمنت له الاستمرارية والنجاح على مدى عقود:

التعليم العملي: يقدم البرنامج دروساً تفصيلية في فنون الطهي، بدءاً من تقطيع الخضروات وحتى إعداد الصلصات المعقدة، مما يجعله مصدراً قيماً للتعلم.
المحتوى المتنوع: يغطي البرنامج مجموعة واسعة من الوصفات التي تتراوح من الأطباق التقليدية التي تتطلب مهارات معينة إلى الوجبات السريعة والصحية، بالإضافة إلى نصائح حول التغذية وإدارة المطبخ.
الخبراء والشخصيات: استضاف البرنامج على مر السنين عدداً لا يحصى من كبار الطهاة والخبراء في مجال الطهي، الذين شاركوا معرفتهم وخبراتهم، وأصبحوا وجوهاً مألوفة وموثوقة لدى الجمهور الياباني.
الالتزام بالجودة: تحرص هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (NHK) على تقديم محتوى عالي الجودة ودقيق، مما يعزز ثقة المشاهدين في الوصفات والنصائح المقدمة.
الارتباط بالمنشورات: يصدر البرنامج مجلة شهرية تحمل نفس الاسم، تقدم وصفات إضافية ومقالات عن الطعام، مما يتيح للجمهور تعميق تجربتهم والاستفادة بشكل أكبر من محتوى البرنامج.

هذه السمات مجتمعة ساهمت في بناء قاعدة جماهيرية وفية، وجعلت من «كيو نو ريوري» جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي لليابان.

دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية

جاء تتويج «كيو نو ريوري» بلقب أقدم برنامج طبخ تلفزيوني في العالم من قبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في نوفمبر 2023، ليؤكد على مسيرته الاستثنائية وتأثيره الدائم. وقد تم الاعتراف بهذا الرقم القياسي تقديراً لعدد سنوات البث المتواصل والمنتظم للبرنامج، والذي لم يتوقف عن تقديم محتواه التعليمي والترفيهي للجمهور الياباني على مدى أكثر من ستة عقود.

ويُعد هذا الإنجاز اعترافاً عالمياً بالإرث الثقافي للبرنامج ومساهمته الفريدة في عالم الطهي التلفزيوني. ففي عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير ويظهر فيه عدد لا يحصى من برامج الطبخ الجديدة، يظل «كيو نو ريوري» صامداً، محافظاً على مكانته كمعيار للجودة والأصالة. وقد أعرب مسؤولو هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية عن فخرهم بهذا التكريم، مؤكدين على التزامهم بالاستمرار في تقديم محتوى يخدم المجتمع الياباني ويحتفي بتقاليد الطهي الغنية.

في الختام، يمثل «كيو نو ريوري» قصة نجاح ملهمة في عالم الإعلام والطهي، حيث تجاوز مجرد كونه برنامجاً تلفزيونياً ليصبح جزءاً حياً من الذاكرة الجماعية للشعب الياباني، ورمزاً للاستمرارية والجودة في مجال تعليم الطهي المنزلي.