تحذير خبراء: 3 أطعمة يومية شائعة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

يحذر خبراء الصحة والتغذية من أن أنماط استهلاك غذائية معينة، خصوصًا تلك التي تشمل أطعمة يومية شائعة، قد لا تقتصر آثارها على الصحة البدنية فحسب، بل يمكن أن تسرع من تدهور القدرات الإدراكية وتزيد بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بالخرف مع التقدم في العمر. هذه التحذيرات تأتي في ظل تزايد القلق العالمي من ارتفاع معدلات الأمراض العصبية التنكسية.

الخرف: تحدٍ صحي عالمي وتأثير النظام الغذائي

يُعرّف الخرف بأنه متلازمة تتميز بتدهور تدريجي في الوظائف الإدراكية، مثل الذاكرة والتفكير واللغة والقدرة على حل المشكلات، مما يؤثر على الحياة اليومية للشخص واستقلاليته. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعيش عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم مع الخرف، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام في العقود القادمة. بينما يلعب العمر والعوامل الوراثية دورًا في الإصابة بالخرف، تشير الأبحاث الحديثة بشكل متزايد إلى أن عوامل نمط الحياة، ولا سيما النظام الغذائي، تعد من المحددات الرئيسية القابلة للتعديل التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على خطر الإصابة به.

أظهرت دراسات متعددة، نُشر بعضها خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية في مجلات علمية مرموقة مثل Neurology و Journal of Alzheimer's Disease، وجود صلة قوية بين ما نأكله وصحة أدمغتنا على المدى الطويل. يشير العلماء إلى أن بعض الأطعمة يمكن أن تساهم في عمليات التهابية مزمنة وإجهاد تأكسدي ومقاومة للأنسولين، وهي كلها عوامل معروفة بتأثيرها الضار على خلايا الدماغ ووظائفها.

الأطعمة الثلاثة الأكثر إثارة للقلق

يركز الخبراء على ثلاثة أنواع من الأطعمة الشائعة التي يتم استهلاكها بشكل يومي تقريبًا في العديد من المجتمعات، والتي قد تكون لها آثار سلبية خاصة على صحة الدماغ:

الأطعمة فائقة المعالجة: تشمل هذه الفئة واسعة النطاق المنتجات المعبأة الجاهزة مثل الوجبات الخفيفة السكرية، الحبوب المحلاة، المشروبات الغازية، الوجبات السريعة، والعديد من الوجبات الجاهزة. تتميز هذه الأطعمة بكونها عالية في السكر المضاف، الدهون غير الصحية، الصوديوم، والمواد المضافة الصناعية، بينما تفتقر إلى الألياف والمغذيات الأساسية. تساهم الأطعمة فائقة المعالجة في زيادة الوزن والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري من النوع الثاني، وكلها عوامل خطر معروفة للخرف. وجدت دراسة حديثة أن الاستهلاك المرتفع لهذه الأطعمة يرتبط بانكماش أسرع في مناطق معينة من الدماغ المرتبطة بالذاكرة والوظيفة الإدراكية.
المشروبات السكرية المحلاة: تُعد العصائر الصناعية والمشروبات الغازية والشاي والقهوة المحلاة بكميات كبيرة من السكر المضاف جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي للكثيرين. يُربط الاستهلاك المرتفع للسكر بزيادة مقاومة الأنسولين، والتي لا تؤثر فقط على تنظيم نسبة السكر في الدم، بل تؤثر أيضًا على قدرة الدماغ على استخدام الجلوكوز كوقود بكفاءة. تشير الأبحاث إلى أن ارتفاع استهلاك المشروبات السكرية المحلاة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ وزيادة خطر الإصابة بالخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر.
الدهون المتحولة والمشبعة غير الصحية: تتواجد هذه الدهون بشكل شائع في الأطعمة المقلية، الوجبات السريعة، المخبوزات المصنعة، وبعض السمن الصناعي. تُعرف الدهون المتحولة بشكل خاص بأنها تزيد من مستويات الكوليسترول الضار (LDL) وتقلل من الكوليسترول الجيد (HDL)، مما يؤدي إلى تصلب الشرايين ويقلل من تدفق الدم إلى الدماغ. يمكن أن تؤدي هذه الدهون أيضًا إلى التهاب مزمن في الجسم والدماغ. ربطت عدة دراسات بين الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المتحولة والمشبعة بضعف الذاكرة وزيادة خطر الإصابة بالخرف.

الآليات الكامنة والتداعيات الصحية

تكمن خطورة هذه الأطعمة في مجموعة من الآليات التي تضر بالدماغ على المستوى الخلوي. أولًا، الالتهاب المزمن: الأطعمة الغنية بالسكر والدهون غير الصحية والمواد المضافة يمكن أن تثير استجابة التهابية مستمرة في الجسم، والتي يمكن أن تنتقل إلى الدماغ وتسبب التهابًا عصبيًا، مما يضر بالخلايا العصبية. ثانيًا، الإجهاد التأكسدي: تساهم هذه الأطعمة في إنتاج الجذور الحرة التي تتلف الخلايا، بما في ذلك خلايا الدماغ. ثالثًا، مقاومة الأنسولين وتأثيرها على الدماغ: قد يؤدي الاستهلاك المفرط للسكر والكربوهيدرات المكررة إلى مقاومة الأنسولين، مما يعيق قدرة خلايا الدماغ على امتصاص الجلوكوز اللازم للطاقة، وهو ما يسميه بعض الباحثين «السكري من النوع الثالث» للدماغ.

أخيرًا، تلعب اضطرابات ميكروبيوم الأمعاء دورًا. تشير الأبحاث الناشئة إلى أن الأطعمة فائقة المعالجة والفقيرة في الألياف يمكن أن تؤثر سلبًا على تنوع وصحة البكتيريا في الأمعاء، مما يؤثر على محور الأمعاء-الدماغ، وهو مسار حيوي يؤثر على الصحة العصبية والسلوكية.

التوصيات والخطوات الوقائية

يوصي خبراء التغذية وعلماء الأعصاب بالتركيز على نظام غذائي غني بالفاكهة والخضروات، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية مثل تلك الموجودة في زيت الزيتون والمكسرات والأسماك. تُعتبر الأنظمة الغذائية مثل حمية البحر الأبيض المتوسط وحمية MIND (Mediterranean-DASH Intervention for Neurodegenerative Delay) أمثلة بارزة للأنماط الغذائية التي أثبتت فعاليتها في دعم صحة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بالخرف.

لا يعني هذا الحرمان التام من الأطعمة المفضلة، بل يدعو إلى الاعتدال والوعي بالخيارات الغذائية اليومية. إن استبدال المشروبات السكرية بالماء، واختيار الأطعمة الكاملة غير المصنعة قدر الإمكان، والحد من استهلاك الوجبات السريعة والأطعمة المقلية، هي خطوات عملية يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في الحفاظ على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.

في الختام، تؤكد هذه التحذيرات على أن الوقاية من الخرف تبدأ من طبق الطعام. إن اتخاذ خيارات غذائية واعية ومستنيرة ليس فقط لتحسين الصحة البدنية، بل هو استثمار طويل الأمد في الحفاظ على القدرات الإدراكية وجودة الحياة.