مالي: مسلحون يختطفون ناشطة على تيك توك ويعدمونها علانية

شهدت مالي، في أواخر أكتوبر 2023، حادثة مروعة هزت المجتمع المحلي وأثارت استنكارًا دوليًا واسعًا، تمثلت في خطف واغتيال الناشطة على منصة تيك توك، فاطمة ديالو، على يد مسلحين مجهولين في منطقة موبتي المضطربة. وقد أفادت تقارير محلية بأن عملية الإعدام تمت علانية، مما يرسل رسالة ترهيب واضحة للمواطنين، خاصة أولئك الذين يعبرون عن آرائهم عبر الإنترنت في ظل الأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها البلاد. وتُعد هذه الحادثة تذكيرًا مؤلمًا بالتحديات الجسيمة التي تواجه حرية التعبير وحقوق الإنسان في المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة.

خلفية النزاع في مالي وتحديات الأمن

تُعاني مالي منذ عقد من الزمن من أزمة أمنية وسياسية معقدة، تفاقمت مع صعود الجماعات المسلحة ذات الصلة بتنظيم القاعدة وداعش، والتي فرضت سيطرتها على أجزاء واسعة من الشمال والوسط. وقد أدت هذه الفوضى إلى تقويض سلطة الدولة وتشريد ملايين السكان، فضلاً عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. تتسم منطقة موبتي، حيث وقعت الحادثة، بكونها إحدى بؤر الصراع الأكثر اضطرابًا، وتشهد اشتباكات متكررة بين الجيش المالي والجماعات المسلحة، بالإضافة إلى التوترات المجتمعية المستمرة. في هذا السياق، يصبح التعبير عن الرأي، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح وصولاً واسعًا، محفوفًا بمخاطر جسيمة، حيث يستهدف المسلحون غالبًا الأصوات المعارضة أو التي يعتبرونها مخالفة لأيديولوجياتهم المتطرفة.

فاطمة ديالو: ناشطة صوتها يصدح على تيك توك

كانت فاطمة ديالو، في أواخر العشرينات من عمرها، شخصية معروفة ومؤثرة على منصة تيك توك في مالي. استخدمت ديالو حسابها لنشر مقاطع فيديو قصيرة تتناول قضايا مجتمعية مختلفة، بما في ذلك الدعوة إلى السلام، ومكافحة التطرف، وتعزيز الوحدة الوطنية، وانتقاد الفساد، وتسليط الضوء على معاناة المدنيين جراء النزاع. كما كانت تشارك محتوى حول الحياة اليومية والثقافة المالية، محاولةً بث الأمل والإيجابية في بيئة مضطربة. اكتسبت ديالو قاعدة جماهيرية كبيرة بين الشباب المالي بفضل أسلوبها الجريء والصريح، مما جعلها هدفًا محتملاً للجماعات التي تسعى لقمع أي شكل من أشكال المعارضة أو التعبير الحر.

تفاصيل الاختطاف والإعدام العلني

وفقًا للتقارير الأولية، تم اختطاف فاطمة ديالو من منزلها في إحدى قرى منطقة موبتي من قبل مجموعة من المسلحين الملثمين. لم يُعرف الدافع وراء الاختطاف بشكل فوري، لكن طريقة إعدامها اللاحقة أشارت إلى رغبة في ترهيب السكان. بعد ساعات قليلة من اختطافها، قام المسلحون بنقلها إلى ساحة عامة في القرية نفسها، حيث أقدموا على إعدامها رميًا بالرصاص أمام حشد من الأهالي المذعورين. يُعتقد أن اختيار الإعدام العلني كان بهدف إرسال رسالة صارمة مفادها أن أي شخص يتحدى سلطتهم أو يعارض أفكارهم، حتى لو كان ذلك عبر منصة رقمية، سيواجه عواقب وخيمة. وقد وثقت بعض المصادر المحلية شهادات لشهود عيان تحدثوا عن حالة الذعر والرعب التي سيطرت على الحاضرين.

ردود الأفعال المحلية والدولية

أثار مقتل فاطمة ديالو موجة من الغضب والاستنكار داخل مالي وخارجها:

الردود المحلية: عبّر العديد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني في مالي عن إدانتهم الشديدة للجريمة، مطالبين الحكومة بفتح تحقيق فوري وتقديم الجناة للعدالة. شهدت بعض المدن مظاهرات صغيرة للتعبير عن الغضب والخوف على مصير حرية التعبير.
رد فعل الحكومة المالية: أصدرت السلطات المالية بيانًا أدانت فيه بشدة الحادثة، واصفة إياها بالعمل البربري، وتعهدت بملاحقة المسؤولين عنه. ومع ذلك، يظل تنفيذ هذه الوعود تحديًا كبيرًا بالنظر إلى محدودية سيطرة الدولة على المناطق التي تنشط فيها الجماعات المسلحة.
الإدانة الدولية: سارعت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، إلى إدانة الاغتيال، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين وحرية التعبير في مالي. ودعت هذه المنظمات إلى إجراء تحقيق مستقل وشامل لضمان المساءلة.
التضامن عبر الإنترنت: انتشرت حملات تضامن واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر الآلاف عن حزنهم على وفاة ديالو وأعادوا نشر مقاطعها ومطالباتها، مؤكدين على أهمية دور الناشطين الرقميين في تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية والسياسية.

الآثار والتداعيات

تُعد حادثة مقتل فاطمة ديالو لها تداعيات عميقة على المشهد الأمني وحقوق الإنسان في مالي:

تراجع حرية التعبير: من المرجح أن يؤدي هذا العمل الوحشي إلى ترهيب النشطاء الآخرين ودفعهم إلى التزام الصمت، مما يقوض حرية التعبير في بلدٍ هي في أمس الحاجة للأصوات التي تدعو للتغيير والإصلاح.
تفاقم انعدام الأمن: تسلط الحادثة الضوء على مدى ضعف الأمن في العديد من المناطق، حيث تتمتع الجماعات المسلحة بحرية كبيرة في ارتكاب الجرائم دون مساءلة فورية.
استهداف النشطاء الرقميين: تؤكد هذه الجريمة على المخاطر المتزايدة التي يواجهها النشطاء الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم في مناطق النزاع، حيث يمكن أن تتحول هذه المنصات من أدوات للتمكين إلى ساحات للاستهداف.
تحديات أمام العدالة: تشكل القضية اختبارًا حقيقيًا لقدرة السلطات المالية على إرساء العدالة وحماية مواطنيها، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى سيطرة الدولة الكاملة.

يبقى مقتل الناشطة فاطمة ديالو شاهدًا على التكلفة البشرية الباهظة للنزاعات المسلحة وعلى أهمية حماية الأصوات التي تسعى لجلب الوعي والتغيير في ظل الظروف القاسية.