أرامكو تستكمل الاستحواذ على 22.5% من بترورابغ
أعلنت شركة أرامكو السعودية، عملاق الطاقة العالمي، في فبراير 2024 عن إتمام صفقة استحواذها على حصة إضافية تبلغ 22.5% من أسهم شركة بترورابغ، وهي شركة سعودية رائدة في مجال التكرير والبتروكيماويات. تعمق هذه الخطوة الاستراتيجية من سيطرة أرامكو على الأصول الرئيسية في قطاع الصناعات التحويلية، وتؤكد على التزامها بتعزيز مكانتها في هذا السوق الحيوي. تُمثل هذه الصفقة تطورًا مهمًا في المشهد الاقتصادي للمملكة، لما لها من تداعيات على استراتيجية أرامكو طويلة المدى وعلى قطاع الطاقة بشكل عام، مما يعكس سعي الشركة المتواصل لتعظيم القيمة من مواردها الهيدروكربونية.

الخلفية التاريخية والسياق
تعد شركة بترورابغ مشروعًا مشتركًا تأسس في عام 2005 بين أرامكو السعودية وشركة سوميتومو كيميكال اليابانية، بهدف تطوير وتشغيل مجمع متكامل للتكرير والبتروكيماويات في مدينة رابغ بالمملكة العربية السعودية. يُعتبر هذا المجمع أحد أكبر وأكثر المجمعات تعقيدًا في العالم، حيث ينتج مجموعة واسعة من المنتجات النفطية المكررة مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات، بالإضافة إلى المواد البتروكيماوية الأساسية التي تستخدم في صناعات متعددة كاللدائن والمواد الكيميائية المتخصصة. يسهم المجمع بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق المحلية والعالمية من هذه المنتجات الحيوية.
قبل هذه الصفقة الأخيرة، كانت أرامكو تمتلك حصة 50% في بترورابغ، مما يمنحها سيطرة مشتركة مع شريكتها اليابانية. تأتي عملية الاستحواذ هذه في سياق تطورات ملكية سابقة؛ ففي عام 2021، قام صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة العربية السعودية وأحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، بالاستحواذ على حصة 37.5% في بترورابغ من أرامكو نفسها. كانت تلك الصفقة جزءًا من استراتيجية أوسع لصندوق الاستثمارات العامة لتعزيز محفظته الاستثمارية وتنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة في المملكة، بالتزامن مع توفير سيولة لأرامكو لتمويل مشاريعها الاستثمارية الأخرى ضمن رؤيتها التوسعية.
بناءً عليه، فإن استحواذ أرامكو الأخير على 22.5% من أسهم بترورابغ يعني أنها تستعيد جزءًا كبيرًا من الحصة التي كانت قد باعتها لصندوق الاستثمارات العامة، مما يعكس إعادة تقييم استراتيجية لأصولها في قطاع الصناعات التحويلية. هذه الخطوة ترفع إجمالي حصة أرامكو في بترورابغ إلى 72.5%، مما يمنحها حصة الأغلبية والسيطرة التشغيلية الكاملة تقريبًا، مع بقاء حصة لشركة سوميتومو كيميكال ولصندوق الاستثمارات العامة الذي ستنخفض حصته في بترورابغ إلى حوالي 15%، مما يعكس إعادة هيكلة للملكية تصب في مصلحة أرامكو الاستراتيجية.
الأهمية الاستراتيجية والرؤية المستقبلية
تكتسب هذه الصفقة أهمية استراتيجية محورية بالنسبة لشركة أرامكو، كونها تتماشى مع رؤيتها الأوسع لتعزيز وتوسيع محفظتها في قطاع التكرير والكيميائيات. تهدف أرامكو إلى تحقيق تكامل رأسي أكبر بين أنشطتها في المنبع (إنتاج النفط والغاز) والمصب (التكرير والبتروكيماويات)، وذلك بهدف تعظيم القيمة من مواردها الهيدروكربونية. هذا التكامل يمكّن أرامكو من:
- تحقيق أقصى قدر من القيمة: بتحويل النفط الخام إلى منتجات ذات قيمة أعلى بدلاً من بيعه خامًا فقط، مما يزيد من هامش الربح الإجمالي.
 - ضمان أمن الطلب: من خلال ربط إنتاجها النفطي بمصافي ومصانع بتروكيماويات تابعة لها، مما يقلل من التعرض لتقلبات سوق النفط الخام ويخلق أسواقًا مضمونة لمنتجاتها.
 - توسيع نطاق المنتجات: وزيادة القدرة على تلبية الطلب العالمي المتزايد على المشتقات البترولية والمواد الكيميائية المتخصصة، والتي تعتبر مكونات أساسية في صناعات مثل السيارات، التعبئة والتغليف، ومواد البناء، والإلكترونيات.
 - تعزيز المرونة والكفاءة: عبر تحسين سلسلة التوريد وتوحيد العمليات وتبادل أفضل الممارسات، مما يؤدي إلى خفض التكاليف التشغيلية وزيادة الربحية الإجمالية للمجموعة.
 
تُعتبر هذه الخطوة كذلك جزءًا لا يتجزأ من مساهمة أرامكو في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تنويع مصادر الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط الخام، وتنمية الصناعات التحويلية التي تخلق فرص عمل محلية وتضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، مما يرسخ مكانة المملكة كمركز صناعي وبتروكيماوي عالمي.
التأثير المالي والتشغيلي
على الصعيد المالي، من المتوقع أن تُسهم هذه الصفقة في تعزيز الإيرادات والأرباح المحتملة لأرامكو من خلال حصتها الأكبر في بترورابغ. ستنعكس هذه الزيادة في حصص الأرباح على النتائج المالية لأرامكو، وقد تدعم قدرتها على تمويل مشاريعها الرأسمالية الضخمة الأخرى في قطاعات الطاقة المتجددة أو التقنيات الجديدة. أما بالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة، فإن بيع هذه الحصة يوفر سيولة مالية كبيرة يمكن إعادة استثمارها في مشاريع أخرى تخدم أهداف الصندوق التنموية والتنويعية، بما في ذلك الاستثمارات في القطاعات الجديدة والتقنيات الناشئة التي تتماشى مع خطط المملكة المستقبلية.
من الناحية التشغيلية، ستمنح هذه الحصة الأكبر أرامكو سيطرة أكبر على مجلس إدارة بترورابغ وعلى القرارات الاستراتيجية والتشغيلية الرئيسية. هذا قد يسهل تنفيذ استراتيجيات أرامكو لتوحيد المعايير التشغيلية، تحسين الأداء التشغيلي، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، بالإضافة إلى دمج أفضل الممارسات الإدارية والفنية. يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع وتيرة مشاريع التوسع والتحديث التكنولوجي داخل مجمع بترورابغ، مما يعزز قدرته التنافسية على المستويين المحلي والعالمي. كما يمكن أن يؤدي إلى تبادل أفضل للممارسات والخبرات بين أرامكو وبترورابغ، مما يعود بالنفع على كلتا الشركتين وعلى تطوير الكوادر البشرية السعودية.
تفاعلات السوق والتطلعات المستقبلية
عادةً ما تُنظر إلى مثل هذه الصفقات على أنها إيجابية من قبل المستثمرين والمحللين، حيث تُشير إلى استراتيجية واضحة لتعظيم القيمة وتحقيق التكامل الرأسي. يُتوقع أن تُعزز هذه الخطوة استقرار بترورابغ التشغيلي والمالي تحت مظلة أرامكو الأكبر، مما يوفر لها دعمًا أكبر في تنفيذ خططها التوسعية المستقبلية. فمع استمرار الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية في النمو، تصبح القدرة على التحكم في سلسلة القيمة بأكملها – من إنتاج النفط الخام إلى تصنيع المنتجات النهائية – أمرًا بالغ الأهمية لضمان الاستمرارية والربحية على المدى الطويل. تعكس هذه الخطوة ثقة أرامكو في مستقبل قطاع البتروكيماويات وخططها لتوسيع نطاق أعمالها في هذا المجال.
تُشير هذه العملية إلى التزام أرامكو باستراتيجيتها طويلة الأجل في القطاع التحويلي، وتؤكد على سعيها لتكون لاعبًا عالميًا رئيسيًا في جميع مراحل سلسلة قيمة الطاقة، ليس فقط كمورد للنفط الخام، بل كمنتج رائد للمواد المكررة والبتروكيماوية ذات القيمة المضافة العالية. هذه الاستحواذات تعكس الثقة في مستقبل الصناعات التحويلية في المملكة ودورها المحوري في الاقتصاد العالمي، وتؤكد على رؤية أرامكو في المساهمة الفاعلة في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي للمملكة.