أكاديمية بنفيكا تتوج الأفضل عالمياً في تخريج المواهب متفوقة على لاماسيا
في تطور يعيد رسم خارطة الأكاديميات الكروية العالمية، أعلن المرصد الدولي للدراسات الرياضية لكرة القدم CIES في تقريره السنوي الصادر في أواخر أكتوبر 2023، عن تصنيف أكاديمية نادي بنفيكا البرتغالي كالأفضل في العالم من حيث عدد اللاعبين الذين قامت بتكوينهم ويلعبون حالياً في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى بالإضافة إلى دوريات الدرجة الأولى في 31 دولة أوروبية أخرى. هذا الإنجاز وضع الأكاديمية البرتغالية، المعروفة بـ "أكاديمية بنفيكا" أو "مركز التكوين في سيشال"، في صدارة القائمة متفوقة على مراكز تكوين عريقة مثل لاماسيا التابعة لنادي برشلونة الإسباني.

يمثل هذا التتويج اعترافاً ملموساً بالجهود الكبيرة التي يبذلها النادي البرتغالي في استكشاف وتطوير المواهب الشابة، وتأكيداً على فعالية استراتيجيته الطويلة الأمد في هذا المجال. ولم يأتِ هذا النجاح من فراغ، بل هو نتيجة سنوات من الاستثمار في البنية التحتية، والكوادر التدريبية، ومنهجية عمل متكاملة تركز على التطور الشامل للاعب.
خلفية: منهجية التصنيف ودور الأكاديميات
تعتمد منهجية تصنيف CIES على معايير دقيقة لتقييم أداء الأكاديميات، حيث لا يقتصر الأمر على مجرد تخريج اللاعبين، بل يشمل بشكل أساسي عدد اللاعبين الذين قضوا ثلاث سنوات على الأقل بين سن 15 و 21 عاماً في الأكاديمية، ثم انتقلوا للعب في أحد الدوريات الكبرى أو دوريات الدرجة الأولى المعتمدة. هذا التركيز على "المنتج النهائي" الذي يصل إلى المستويات الاحترافية العليا يمنح التصنيف مصداقية كبيرة ويعكس التأثير الفعلي للأكاديمية على مسيرة اللاعبين.
تاريخياً، لطالما شكلت أكاديميات كرة القدم الركيزة الأساسية لتغذية الأندية والمنتخبات الوطنية بالمواهب. فمنذ عقود، كانت أكاديميات مثل لاماسيا، وأكاديمية أياكس، وحتى أكاديميات الأندية الفرنسية والألمانية، نماذج يحتذى بها في صناعة النجوم. ومع التطور الهائل في كرة القدم الحديثة، أصبحت المنافسة أكثر شراسة، وأصبح الاهتمام بتفاصيل التكوين البدني والنفسي والتكتيكي أمراً حتمياً.
صعود أكاديمية بنفيكا: "بيت كرة القدم"
تُعرف أكاديمية بنفيكا رسمياً باسم "مركز التكوين والتطوير للاعبين" وتقع في سيشال (Seixal)، وتلقب بـ "بيت كرة القدم" (A Casa do Futebol). وقد استثمر النادي البرتغالي بشكل كبير في هذه المنشأة منذ افتتاحها في عام 2006. وتتميز الأكاديمية بعدة جوانب جعلتها تتفوق:
- البنية التحتية المتطورة: تضم مرافق تدريب عالمية المستوى، وملاعب متعددة، وصالات لياقة بدنية، ومراكز طبية، ومرافق تعليمية متكاملة.
- المنهجية الشاملة: لا تركز الأكاديمية على الجانب الفني والتكتيكي فقط، بل تهتم أيضاً بالتطور الأكاديمي والنفسي للاعبين، إيماناً بأن بناء لاعب متكامل يتطلب رعاية شاملة.
- فلسفة اللعب الواضحة: يتم غرس فلسفة النادي في اللاعبين منذ سن مبكرة، مما يسهل دمجهم في الفريق الأول لاحقاً.
- كوادر تدريبية عالية الكفاءة: يضم الجهاز الفني والإداري في الأكاديمية خبراء ومتخصصين في جميع المجالات المتعلقة بتطوير الشباب.
وقد أثمرت هذه الجهود عن تخريج عدد كبير من النجوم الذين لمعوا في سماء كرة القدم الأوروبية والعالمية، منهم على سبيل المثال لا الحصر: برناردو سيلفا (مانشستر سيتي)، جواو فيليكس (أتلتيكو مدريد)، روبن دياز (مانشستر سيتي)، جواو كانسيلو (برشلونة)، جونزالو راموس (باريس سان جيرمان)، وعدد آخر من اللاعبين الذين يشكلون العمود الفقري لمنتخب البرتغال وفرق أوروبية كبرى.
تراث لاماسيا ومكانتها الحالية
من جانبها، لا تزال لاماسيا التابعة لنادي برشلونة الإسباني تحتفظ بمكانتها كواحدة من أعظم أكاديميات كرة القدم في التاريخ. فقد أنجبت هذه الأكاديمية أجيالاً ذهبية غيرت وجه كرة القدم، مثل الجيل الذي ضم ليونيل ميسي، تشافي هيرنانديز، وأندريس إنييستا، وجميعهم قادوا برشلونة والمنتخب الإسباني لتحقيق إنجازات تاريخية غير مسبوقة. وقد تميزت لاماسيا بفلسفتها الفريدة التي تركز على الاستحواذ والكرة الشاملة (التيكي تاكا)، وغرسها في اللاعبين منذ الصغر.
لكن التصنيف الحالي يشير إلى تراجع نسبي في عدد خريجيها الذين ينشطون حالياً في الدوريات الكبرى مقارنة ببنفيكا. ويمكن أن تُعزى هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، منها المنافسة المتزايدة من الأكاديميات الأخرى، وتغير السياسات الداخلية لبرشلونة في بعض الفترات، والضغط المستمر لتحقيق نتائج فورية مما قد يدفع النادي نحو سوق الانتقالات بدلاً من الاعتماد الكلي على خريجي الأكاديمية. ومع ذلك، لا تزال لاماسيا تنتج مواهب واعدة، ويظل اسمها مرادفاً للتميز في تكوين اللاعبين.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
إن تصدر أكاديمية بنفيكا لهذا التصنيف يحمل في طياته عدة دلالات وتداعيات:
- تعزيز مكانة بنفيكا: يرفع هذا التتويج من هيبة ومكانة نادي بنفيكا على الساحة العالمية، ويجعله وجهة مفضلة للمواهب الشابة الطامحة للتطور.
- نموذج يحتذى به: تصبح أكاديمية بنفيكا نموذجاً ملهماً للأندية الأخرى التي تسعى لبناء برامج تطوير مواهب مستدامة وفعالة.
- مكاسب اقتصادية: يستفيد النادي بشكل كبير من بيع اللاعبين الذين يخرجون من الأكاديمية بأسعار مرتفعة، مما يعزز من قدرته المالية ويدعم استدامته.
- تأثير على كرة القدم البرتغالية: يغذي هذا النجاح المنتخب الوطني البرتغالي بمواهب شابة جاهزة للتألق، مما يعزز من تنافسيته على الصعيد الدولي.
في الختام، يُظهر هذا التصنيف الجديد أن عالم تكوين اللاعبين يتطور باستمرار. بينما تظل أكاديميات مثل لاماسيا ذات تاريخ عظيم، فإن الاستثمار المستمر، والمنهجية الحديثة، والتكيف مع متطلبات كرة القدم المعاصرة هي مفتاح البقاء في الصدارة، وهو ما أتقنته أكاديمية بنفيكا بامتياز.




