أوكرانيا تبحث مع واشنطن تزويدها بصواريخ "توماهوك" لتعزيز دفاعاتها وحماية قطاع الطاقة
في خضم الهجمات الروسية الممنهجة على بنيتها التحتية الحيوية أواخر عام 2022 ومطلع 2023، دخلت كييف في محادثات مكثفة مع الولايات المتحدة لبحث إمكانية تزويدها بأسلحة متطورة بعيدة المدى، وعلى رأسها صواريخ "توماهوك" المجنحة. وجاء هذا المسعى الأوكراني كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز قدراتها الدفاعية لردع الهجمات وحماية شبكة الطاقة التي تعرضت لأضرار بالغة، مما هدد بانقطاع الكهرباء والتدفئة عن ملايين المواطنين خلال فصل الشتاء القاسي.

خلفية الأزمة: استهداف ممنهج للبنية التحتية
مع اقتراب فصل الشتاء في عام 2022، كثفت روسيا من هجماتها الصاروخية وباستخدام الطائرات المسيرة على منشآت الطاقة في جميع أنحاء أوكرانيا. استهدفت هذه الضربات بشكل مباشر محطات توليد الكهرباء والمحولات الرئيسية وشبكات التوزيع، مما أدى إلى انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي. لم تكن هذه الهجمات عشوائية، بل شكلت حملة منسقة تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للشعب الأوكراني والضغط على القيادة السياسية عبر جعل الظروف المعيشية لا تطاق. وقد واجهت أوكرانيا صعوبات كبيرة في إصلاح الأضرار بسرعة، في ظل استمرار القصف وتحدي الحصول على المعدات اللازمة.
المباحثات حول صواريخ "توماهوك"
أمام هذا الواقع، سعت القيادة الأوكرانية إلى الحصول على أسلحة تمنحها القدرة على الردع، وليس فقط الدفاع. وفي هذا السياق، برز طلب صواريخ "توماهوك" كخيار استراتيجي. يتميز هذا النوع من الصواريخ بقدرته على إصابة أهداف بدقة عالية على مسافات تتجاوز 1,600 كيلومتر، مما يعني أن أوكرانيا ستكون قادرة نظريًا على استهداف القواعد العسكرية والمطارات ومنصات إطلاق الصواريخ داخل الأراضي الروسية التي تنطلق منها الهجمات.
كان المنطق الأوكراني واضحًا: إذا أصبحت الأصول العسكرية الروسية في العمق الاستراتيجي مهددة، فقد تتردد موسكو في مواصلة حملتها ضد البنية التحتية المدنية. وقد تمت هذه المباحثات على مستويات مختلفة بين المسؤولين في كييف ونظرائهم في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حيث قدم الجانب الأوكراني مبرراته بشأن الحاجة الملحة لهذه القدرة لضمان أمن الطاقة القومي.
التحديات والموقف الأمريكي
على الرغم من تفهمها للموقف الأوكراني، أبدت إدارة الرئيس جو بايدن حذرًا شديدًا تجاه تزويد كييف بأسلحة هجومية بعيدة المدى. وكان القلق الرئيسي لواشنطن يتمثل في تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا. إن تزويد أوكرانيا بأسلحة قادرة على ضرب أهداف في عمق روسيا كان يُعتبر خطًا أحمر قد يدفع موسكو إلى رد فعل غير متوقع.
إلى جانب المخاوف السياسية، كانت هناك تحديات فنية ولوجستية. فصواريخ "توماهوك" تُطلق عادة من السفن الحربية أو الغواصات، وتكييفها للإطلاق من منصات أرضية يتطلب تعديلات معقدة. ورغم وجود نماذج أرضية في السابق، فإن إعادة تفعيلها ونقلها إلى أوكرانيا كان سيمثل نقلة نوعية في الدعم العسكري الأمريكي، تتجاوز ما تم تقديمه حتى تلك اللحظة من أنظمة دفاعية مثل "باتريوت" أو أنظمة مدفعية دقيقة مثل "هيمارس".
الأهمية الاستراتيجية للطلب
تعكس المحادثات حول صواريخ "توماهوك" نقطة تحول في الاستراتيجية الأوكرانية، حيث لم تعد تكتفي بطلب أنظمة دفاع جوي لاعتراض الصواريخ، بل أصبحت تسعى لامتلاك قدرة هجومية رادعة. يوضح هذا الطلب مدى خطورة الوضع الذي كان يواجهه قطاع الطاقة الأوكراني، والحاجة الماسة إلى حلول جذرية لحمايته. وفيما لم تتم الموافقة على تزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" في ذلك الوقت، فقد مهدت هذه النقاشات الطريق لاحقًا لحصول كييف على أنواع أخرى من الأسلحة بعيدة المدى، مما أظهر تطورًا تدريجيًا في موقف الحلفاء الغربيين استجابة لتطورات الحرب على الأرض.