إسحاق كوينكا: قصة معاناة في برشلونة وتألق خارج المستطيل الأخضر
لطالما كانت أكاديمية لا ماسيا التابعة لنادي برشلونة الإسباني منبعاً للمواهب الاستثنائية التي ترسم مستقبل كرة القدم. من بين هؤلاء اللاعبين الذين حملوا آمال الجماهير ببراعتهم الفنية، يبرز اسم إسحاق كوينكا. ولكن مسيرة كوينكا لم تكن خطاً مستقيماً نحو المجد؛ بل كانت رحلة مليئة بالوعود التي تعثرت أمام شبح الإصابات المزمنة، لتتحول في النهاية إلى قصة إلهام حول كيفية تحويل المحنة إلى فرصة لإبداع جديد بعيداً عن أضواء المستطيل الأخضر.

وُلد كوينكا في 27 أبريل/نيسان 1991 في ريوس، طراغونة، إسبانيا. انضم إلى صفوف لا ماسيا في سن مبكرة، وسرعان ما لفت الأنظار بمهاراته الفردية وقدرته على اللعب كجناح هجومي يتميز بالسرعة والمراوغة الدقيقة. تدرج عبر الفئات السنية المختلفة للنادي الكتالوني، ليُظهر إمكاناته الكبيرة التي كانت تبشّر بمستقبل واعد ضمن صفوف الفريق الأول.
المسيرة المبكرة والوميض الخافت في برشلونة
في عام 2011، كانت اللحظة التي انتظرها كوينكا طويلاً عندما استدعي للصعود إلى الفريق الأول لـ برشلونة تحت قيادة المدرب الأسطوري بيب غوارديولا. قدم كوينكا بداية مبشرة، حيث أظهر قدرته على الانسجام مع أسلوب لعب تيكي تاكا ، وسجل أهدافاً حاسمة في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا. كان يُنظر إليه كأحد المواهب الصاعدة التي يمكن أن تسد الفراغ في أجنحة الفريق، وقد شارك في مباريات مهمة، وأسهم في تحقيق ألقاب محلية ودولية خلال تلك الفترة الذهبية للنادي.
لكن هذا الوميض القصير من التألق سرعان ما بدأ بالخفوت. فبينما كان كوينكا يحاول ترسيخ مكانته بين عمالقة الفريق، بدأت الإصابات تطارده بلا هوادة، لتُصبح جزءاً لا يتجزأ من مسيرته الاحترافية. كانت أبرزها إصابات الركبة المتكررة التي استدعت خضوعه لعدة عمليات جراحية، وأبعدته عن الملاعب لفترات طويلة، مما أثر بشكل كبير على تطوره وقدرته على الاستمرارية في أعلى المستويات.
صراع الإصابات والرحيل عن النخبة
تعتبر إصابات الركبة من أشد الكوابيس التي تواجه أي رياضي، وبالنسبة لكوينكا، كانت هذه الإصابات بمثابة عائق دائم أمام تحقيق إمكاناته الكاملة. كلما بدأ يستعيد لياقته البدنية وفورمته الفنية، كانت الإصابة تعاوده من جديد، لتُجبره على العودة إلى نقطة البداية. هذه الدوامة من الإصابات أثرت ليس فقط على جسده، بل على معنوياته أيضاً، وجعلت من الصعب عليه المنافسة على مكان أساسي في فريق بحجم برشلونة الذي يضم أفضل لاعبي العالم.
نتيجة لذلك، اضطر كوينكا إلى مغادرة برشلونة في عام 2014، ليبدأ رحلة البحث عن الاستقرار والفرصة للعب بانتظام في أندية أخرى. وقد تنقل بين عدة أندية في دوريات مختلفة حول العالم، في محاولة لاستعادة سحره وتألقه المفقود. شملت هذه المحطات أندية مثل:
- أياكس أمستردام الهولندي.
- ديبورتيفو لا كورونيا الإسباني.
- بورصاسبور التركي.
- غرناطة الإسباني.
- هبوعيل بئر السبع الإسرائيلي.
- ساغان توسو الياباني.
- فيغالتا سينداي الياباني.
على الرغم من أنه أظهر لمحات من موهبته في بعض هذه الأندية، إلا أن الإصابات ظلت تلاحقه، مما حال دون استقراره وتقديم مستويات ثابتة تتناسب مع الإمكانات التي كان يمتلكها في بداياته.
الحياة بعد الملاعب: ولادة جديدة في عالم التدريب
بعد سنوات من النضال الشديد ضد الإصابات التي لم تُمهله طويلاً في الملاعب، اتخذ إسحاق كوينكا قرار الاعتزال من كرة القدم الاحترافية في عام 2021. كان هذا القرار نقطة تحول مفصلية في حياته، لكنه لم يكن النهاية لشغفه باللعبة، بل بداية لمرحلة جديدة من الإبداع والتألق، ولكن هذه المرة خارج المستطيل الأخضر.
في الآونة الأخيرة، كشف كوينكا عن شغفه الجديد في مجال التدريب، حيث بدأ مسيرته في تطوير المواهب الشابة. لقد وجد في تدريب الناشئين والشباب فرصة لنقل خبراته الطويلة التي اكتسبها كلاعب محترف، بالإضافة إلى الدروس القيمة التي تعلمها من تحديات الإصابات ومواجهة الضغوط. يُعد هذا التحول بمثابة ولادة جديدة له، حيث يتمكن من المساهمة في عالم كرة القدم بطريقة مختلفة، بعيداً عن الأعباء الجسدية والمعاناة التي رافقت مسيرته كلاعب.
الدروس المستفادة والتأثير
تُقدم قصة إسحاق كوينكا نموذجاً مؤثراً عن المرونة والإصرار في مواجهة الشدائد. فبالرغم من أن مسيرته الكروية كلاعب لم تسر كما كان مخططاً لها بسبب ظروف خارجة عن إرادته، إلا أنه لم يستسلم. بل أعاد اكتشاف نفسه ووجه طاقاته نحو مجال جديد، مما يثبت أن الشغف يمكن أن يجد طرقاً متعددة للتعبير عن ذاته، وأن الإبداع لا يقتصر على الملاعب الخضراء فقط.
تعكس تجربته أيضاً الجانب القاسي من الرياضة الاحترافية، حيث يمكن أن تنهي الإصابات أحلام اللاعبين الواعدين. ومع ذلك، فإن قدرة كوينكا على التعافي والانتقال إلى دور جديد يُسلط الضوء على الأهمية الكبيرة للصحة النفسية والعقلية للرياضيين، وكيف أن الدعم والقدرة على التكيف يمكن أن يفتحا آفاقاً جديدة حتى بعد إغلاق أبواب معينة.
في الختام، يُعد إسحاق كوينكا مثالاً حياً للاعب الذي عانى الكثير في مسيرته الاحترافية، لكنه استطاع أن يبدع ويُحدث تأثيراً إيجابياً بطريقة مختلفة، مؤكداً أن العزيمة والإرادة يمكن أن تُنتجا النجاح في أي مجال، سواء داخل المستطيل الأخضر أو خارجه.





