إسرائيل تعلن تحديد هوية ثلاث جثث لأسرى تسلمتها من حماس
في تطور مهم ومؤثر يعكس التعقيدات المستمرة للنزاع في قطاع غزة، أعلنت السلطات الإسرائيلية مؤخراً عن تحديد هوية ثلاث جثث كانت قد تسلمتها من حركة حماس، ممثلة بكتائب القسام، الجناح العسكري للحركة. يأتي هذا الكشف في سياق جهود مستمرة لتحديد مصير الأفراد الذين فُقدوا أو احتُجزوا خلال هجوم السابع من أكتوبر الماضي وما تلاه من عمليات عسكرية. وقد سلّمت حماس هذه الجثث في إطار عملية تبادل أو كجزء من ترتيبات جانبية تتعلق بالجهود المبذولة للتوصل إلى هدنة أو صفقة أوسع لتبادل الأسرى.

خلفية النزاع وقضية الأسرى
تعود جذور هذه القضية إلى الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023، والذي أسفر عن مقتل مئات الإسرائيليين وأسر ما يقارب 250 شخصاً، منهم جنود ومدنيون، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن. ومنذ ذلك الحين، أصبحت قضية الأسرى المحتجزين في غزة محوراً رئيسياً للجهود الدبلوماسية والسياسية، وتعتبرها إسرائيل أولوية قصوى. وقد أطلقت حماس عدداً من الأسرى في مراحل مختلفة، كان أبرزها خلال الهدنة الإنسانية المؤقتة في نوفمبر الماضي، التي شهدت إطلاق سراح نحو 105 أسرى مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية. ومع استمرار العمليات العسكرية، تعاظم القلق بشأن مصير الأسرى الباقين، خصوصاً مع ورود تقارير عن مقتل بعضهم جراء القصف الإسرائيلي أو لأسباب أخرى.
تمثل قضية الجثث تحدياً إضافياً، إذ إن تحديد هويات المفقودين والمحتجزين يعتبر خطوة أساسية للعائلات التي تنتظر أي معلومات عن أحبائها. وقد طالبت إسرائيل مراراً بتسليم جثث من يُعتقد أنهم قُتلوا في غزة، سواء كانوا جنوداً أو مدنيين، لتحديد هوية رفاتهم ودفنهم وفقاً للتقاليد الدينية والعائلية.
تفاصيل عملية التسليم والكشف عن الهوية
أفادت التقارير الأولية بأن كتائب القسام قامت بتسليم الجثث الثلاث في ظروف لم تُكشف تفاصيلها بالكامل، ولكنها غالباً ما تكون جزءاً من تنسيق يتم عبر وسطاء دوليين، مثل مصر أو قطر، التي تلعب دوراً محورياً في مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى. بعد تسلم الجثث، قامت السلطات الإسرائيلية، ممثلة بالجيش والمؤسسات الطبية والشرعية المتخصصة، بإجراء الفحوصات الجينية والطب الشرعي اللازمة لتحديد هوية الرفات. وقد تطلبت هذه العملية وقتاً، نظراً للتحديات المرتبطة بحالة الجثث وضرورة التأكد الدقيق من الهوية قبل إبلاغ العائلات.
وعقب استكمال الفحوصات، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومعه الجيش الإسرائيلي، عن تحديد هوية الجثث الثلاث. ورغم عدم الإعلان عن أسماء الأفراد المحددة في البيان الرسمي المباشر، فإن هذا الإعلان يفتح الباب أمام العائلات المعنية لبدء مراسم الدفن واستكمال عملية الحزن. وتكتسب هذه العملية أهمية قصوى للأسرى الذين يعتبرون "مفقودين" أو "محتجزين"، حيث يؤكد تحديد الهوية مصيرهم النهائي ويسمح بوضع حد لحالة عدم اليقين التي تعيشها عائلاتهم.
التداعيات والآثار
- على مستوى العائلات: يوفر هذا الإعلان للعائلات المعنية إغلاقاً جزئياً لمعاناتها، حيث يمكنها الآن دفن أحبائها وإنهاء حالة الترقب والقلق التي استمرت لأشهر.
 - على مستوى المفاوضات: قد يؤثر هذا التطور على مسار المفاوضات الجارية بشأن الأسرى الأحياء. فمن جهة، قد يزيد الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى صفقة سريعة لإعادة جميع الأسرى، أحياءً أو جثثاً. ومن جهة أخرى، قد تستخدم حماس هذه الخطوة كجزء من استراتيجيتها التفاوضية.
 - على الرأي العام: يعيد هذا الكشف قضية الأسرى إلى صدارة الأجندة العامة في إسرائيل، ويجدد المطالبات بضرورة بذل أقصى الجهود لإعادتهم. كما أنه يسلط الضوء على الخسائر البشرية الفادحة للنزاع.
 - على مستوى الصراع: يبرز هذا الحدث حجم الكارثة الإنسانية الناتجة عن الصراع المستمر، ويؤكد على الحاجة الماسة لحل شامل ينهي دائرة العنف والمعاناة.
 
النظرة المستقبلية
تستمر الجهود الدبلوماسية المكثفة، بقيادة الولايات المتحدة وقطر ومصر، للتوصل إلى اتفاق هدنة شاملة في غزة يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين، أحياءً وجثثاً، مقابل أسرى فلسطينيين وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية. يُعتقد أن الكشف عن هوية هذه الجثث الثلاث لن يغير بالضرورة من طبيعة المفاوضات، لكنه قد يزيد من العاجلية لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية. ويظل مصير العشرات من الأسرى الإسرائيليين والمفقودين مجهولاً، مما يبقي قضية تحديد الهوية وإعادة الرفات في صلب اهتمامات الرأي العام والحكومة الإسرائيلية.
يتطلع العالم إلى أي اختراق في هذه المفاوضات التي تهدف إلى وضع حد للمعاناة الإنسانية المتصاعدة في المنطقة، بينما تواصل إسرائيل التأكيد على التزامها بإعادة جميع الأسرى، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، إلى ديارهم.