إلغاء مباراة برشلونة وفياريال في ميامي: جدل قانوني وإداري يعيق خطط الليغا
أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم (لا ليغا) عن إلغاء خططها لإقامة مباراة بين فريقي برشلونة وفياريال في مدينة ميامي الأمريكية، والتي كان من المقرر أن تُقام ضمن فعاليات الدوري المحلي في ديسمبر من عام 2019. لم يكن هذا الإلغاء ناتجًا عن ظروف جوية أو لوجستية اعتيادية، بل جاء نتيجة سلسلة معقدة من الخلافات القانونية والإدارية التي نشبت بين رابطة الدوري والعديد من الجهات الفاعلة الرئيسية في عالم كرة القدم الإسبانية والدولية.

خلفية الموضوع وأهداف الليغا
لطالما سعت رابطة الليغا، بقيادة رئيسها خافيير تيباس، إلى تعزيز مكانتها وعلامتها التجارية على المستوى العالمي. وفي إطار هذه الاستراتيجية الطموحة، أبرمت الليغا شراكة طويلة الأمد مع شركة ريفيلينت سبورتس الأمريكية في عام 2018، بهدف الترويج لكرة القدم الإسبانية في أمريكا الشمالية وإقامة مباريات رسمية من الدوري الإسباني على الأراضي الأمريكية. كان الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو فتح أسواق جديدة، زيادة الإيرادات، وجذب جماهير أوسع لمتابعة الدوري.
لم تكن مباراة برشلونة وفياريال هي المحاولة الأولى؛ فقبل ذلك، كانت هناك محاولات لإقامة مباراة بين فريقي برشلونة وجيرونا في ميامي خلال يناير 2019، والتي قوبلت بمعارضة شديدة وأدت في النهاية إلى إلغائها. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الليغا في مساعيها لإقامة مباراة أخرى، وقع الاختيار هذه المرة على لقاء برشلونة وفياريال، وذلك لتكرار محاولة كسر حاجز اللعب خارج الأراضي الإسبانية الرسمية.
السبب الرئيسي للإلغاء والجدل المحيط به
يعود السبب الجوهري لإلغاء مباراة برشلونة وفياريال في ميامي إلى مجموعة من التحديات القانونية والإدارية، والمعارضة القوية التي واجهتها الليغا من عدة أطراف مؤثرة. يمكن تلخيص هذه التحديات والمعارضات في النقاط التالية:
- الاتحاد الإسباني لكرة القدم (RFEF): كان الاتحاد الإسباني، برئاسة لويس روبياليس، المعارض الأبرز لهذه الخطوة. فقد رأى الاتحاد أن إقامة مباريات رسمية من الدوري المحلي خارج الأراضي الإسبانية يمس بالنزاهة الرياضية للمسابقة، ويخالف لوائح الاتحاد، ويتطلب موافقة صريحة منه لم يتم الحصول عليها. كما أثار الاتحاد مخاوف بشأن حقوق الجماهير في إسبانيا، وتأثير ذلك على طبيعة المنافسة.
- الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA): على الرغم من أن فيفا لم تتخذ موقفًا حاسمًا بالرفض التام، إلا أنها أكدت مرارًا أن إقامة مباريات الدوريات المحلية خارج حدود الدولة المضيفة يتطلب موافقة جميع الأطراف المعنية: الناديين، الاتحاد المحلي (RFEF)، الاتحاد القاري (يويفا)، وفيفا نفسها. وعدم حصول الليغا على هذه الموافقات المتعددة كان عقبة رئيسية.
- رابطة اللاعبين الإسبان (AFE): أبدت رابطة اللاعبين الإسبان، تمثيلاً للاعبي الأندية، معارضة شديدة لهذه الخطوة. وقد استندت معارضتهم إلى مخاوف تتعلق برفاهية اللاعبين، والإرهاق الناتج عن السفر الطويل، وتأثير ذلك على جداول المباريات، مؤكدين أن القرار اتُخذ دون التشاور الكافي معهم أو الحصول على موافقتهم.
هذه المعارضات أدت إلى تصعيد الموقف إلى معارك قانونية محتملة وتهديدات بتقديم شكاوى، مما وضع الليغا في موقف صعب وأجبرها على إعادة تقييم جدوى المضي قدمًا في خططها.
التطورات والقرار النهائي
مع اقتراب الموعد المقرر للمباراة في ديسمبر 2019، وتصاعد حدة الخلافات، أدركت الليغا صعوبة تأمين جميع الموافقات اللازمة في الوقت المناسب. أصبحت عملية الحصول على إذن من الاتحاد الإسباني، الذي ظل متمسكًا بموقفه الرافض، بالإضافة إلى الحاجة لموافقات أخرى، مسألة معقدة للغاية. في مواجهة هذه التحديات، وخاصة عدم الحصول على دعم كافٍ من الاتحاد الدولي لكرة القدم للضغط على الاتحاد الإسباني، قررت رابطة الليغا في نوفمبر 2019، أي قبل أسابيع قليلة من الموعد المقترح، سحب طلبها لإقامة المباراة في ميامي.
جاء هذا القرار النهائي ليعكس الواقع المرير الذي واجهته الليغا: أن الطموحات التجارية، رغم أهميتها، لا يمكن أن تتحقق دون توافق وتعاون من جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في هيكل كرة القدم.
الأهمية والتداعيات
يُعد إلغاء مباراة برشلونة وفياريال في ميامي حدثًا ذا أهمية بالغة في سياق محاولات تدويل الدوريات المحلية. إنه يسلط الضوء على:
- صراع القوى: يكشف الإلغاء عن صراع مستمر على السلطة والنفوذ بين روابط الدوريات المحلية (مثل الليغا) والاتحادات الوطنية (مثل RFEF) والاتحادات الدولية (مثل FIFA) فيما يتعلق بالتحكم في قواعد اللعبة وتنظيمها.
- الأسبقية القانونية: يضع هذا الحدث سابقة مهمة تشير إلى أن تدويل مباريات الدوريات يتطلب إجماعًا وموافقات متعددة الأطراف، وأن المعارضة القوية من الاتحادات الوطنية أو روابط اللاعبين يمكن أن تكون حاسمة في عرقلة مثل هذه الخطط.
- تأثير على استراتيجيات الليغا: أجبر هذا الإلغاء الليغا على إعادة تقييم استراتيجيتها العالمية، والبحث عن طرق بديلة لتعزيز علامتها التجارية دوليًا دون الاصطدام بلوائح وقوانين معقدة.
في الختام، ألغيت مباراة برشلونة وفياريال في ميامي ليس لأسباب رياضية، بل نتيجة معركة إدارية وقانونية معقدة، مما يؤكد أن كرة القدم ليست مجرد لعبة على أرض الملعب، بل هي شبكة متشابكة من المصالح والقواعد التي تحكمها هيئات متعددة.





