اتحاد الكرة يستبعد الخيار الأجنبي لقيادة المنتخب الأولمبي ويفضل المدرب الوطني
في تطور جديد يعكس توجهاً واضحاً داخل أروقة الاتحاد المصري لكرة القدم، استقر المجلس مؤخراً على استبعاد فكرة التعاقد مع مدرب أجنبي لقيادة المنتخب الأولمبي خلال المرحلة القادمة. ويأتي هذا القرار، الذي تم اتخاذه في أعقاب مشاورات مكثفة، ليؤكد على تفضيل الاتحاد للكفاءات التدريبية الوطنية لتولي هذه المهمة الحيوية، والتي تشمل الإعداد للتصفيات المؤهلة لدورة الألعاب الأولمبية المقبلة. هذا التوجه يسلط الضوء على ثقة الاتحاد في الخبرات المحلية وربما يعكس رؤية جديدة لإدارة المنتخبات السنية.

خلفية القرار وأهمية المنتخب الأولمبي
لطالما مثل المنتخب الأولمبي المصري أحد الركائز الأساسية في استراتيجية تطوير كرة القدم المحلية. فهو ليس مجرد بوابة للمشاركة في المحفل الأولمبي العالمي، بل يعتبر أيضاً محطة مهمة لصقل المواهب الشابة وتقديمها للمنتخب الأول، مما يضمن تدفقاً مستمراً للاعبين الموهوبين إلى الصفوف العليا. تاريخياً، شهدت قيادة هذا المنتخب تناوباً بين المدربين الوطنيين والأجانب، وكل توجه كان مدفوعاً بظروف ورؤى فنية وإدارية معينة تبناها الاتحاد في حينها.
في الفترات التي قاد فيها مدربون أجانب، كان الهدف عادة هو إدخال أساليب تدريبية حديثة، وتكتيكات عالمية متطورة، والتعامل مع اللاعبين بمنظور احترافي صارم قد يفتقر إليه البعض محلياً. أما الاعتماد على المدرب الوطني، فيستند عادة إلى معرفته العميقة باللاعب المصري من الناحية الفنية والنفسية، وثقافة البيئة الكروية المحلية، وقدرته على التواصل الفعال مع اللاعبين والجماهير على حد سواء، فضلاً عن اعتبارات التكلفة التي غالباً ما تكون أقل عند التعاقد مع مدرب محلي، وهو ما يُعتبر عاملاً حاسماً في بعض الأحيان.
يُعد التأهل لدورة الألعاب الأولمبية هدفاً استراتيجياً متكرراً لاتحاد الكرة، ليس فقط لما يمثله من إنجاز رياضي كبير ورفع لاسم مصر في المحافل الدولية، بل لدوره الجوهري في تسليط الضوء على قدرات الجيل الجديد من اللاعبين المصريين وفتح أبواب الاحتراف أمامهم. وقد مرت المنتخبات الأولمبية السابقة بتجارب متفاوتة، بعضها حقق نجاحات لافتة مثل التأهل لأولمبياد طوكيو 2020 (التي أقيمت في 2021) تحت قيادة الكابتن شوقي غريب، وبعضها الآخر واجه تحديات في مسيرته نحو تحقيق الأهداف المرجوة.
التطورات الأخيرة ودوافع الاتحاد وراء الاختيار
جاء قرار استبعاد الخيار الأجنبي بعد سلسلة من الاجتماعات والمناقشات المكثفة التي عقدها مجلس إدارة اتحاد الكرة بالتعاون مع اللجان الفنية المتخصصة. وقد أفادت مصادر مطلعة داخل الاتحاد، تحفظت على ذكر اسمها، بأن التوجه نحو المدرب الوطني كان طاغياً منذ البداية في هذه الدورة، خاصة بعد مراجعة دقيقة للتجارب السابقة مع كلا النوعين من المدربين وتحليل شامل للوضع الراهن للمنتخب الأولمبي والموارد المتاحة.
تتعدد الدوافع التي تقف وراء هذا التفضيل الواضح للمدرب الوطني، ويمكن تلخيصها في عدة نقاط رئيسية:
- الفهم العميق للبيئة الكروية: يرى أعضاء بالمجلس أن المدرب الوطني يمتلك فهماً أعمق للواقع الكروي المصري، بما في ذلك التحديات الفنية والنفسية التي يواجهها اللاعبون الشباب في الأندية المحلية، وكيفية التعامل الأمثل مع الضغوط الجماهيرية والإعلامية التي يتعرضون لها. هذا الفهم يسهل عملية الانسجام والتواصل.
 - الاعتبارات المالية: تعد التكلفة المرتفعة للمدربين الأجانب ومساعديهم، بالإضافة إلى امتيازاتهم الأخرى الباهظة، عاملاً مهماً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تستدعي ترشيد النفقات. يسعى الاتحاد لترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد المتاحة نحو تطوير البنية التحتية وبرامج الناشئين بدلاً من الرواتب الضخمة.
 - دعم وتنمية الكفاءات الوطنية: يتيح هذا القرار الفرصة لعدد من المدربين المصريين أصحاب الخبرة والكفاءة لتولي دفة القيادة في أحد أهم المنتخبات السنية. هذا يعزز من الثقة في القدرات التدريبية المحلية ويشجع على تطويرها وتقديمها على الساحة الدولية.
 - الاستمرارية والتجانس الفني: قد يوفر المدرب الوطني استمرارية أكبر في الرؤية الفنية والخطط طويلة المدى للمنتخبات السنية، خاصة وأن بناء فريق أولمبي قوي يتطلب وقتاً وجهداً وتجانساً في الأفكار التدريبية.
 - الانسجام الثقافي: قدرة المدرب الوطني على فهم الخلفيات الثقافية والاجتماعية للاعبين تسهم في بناء علاقات أقوى داخل الفريق وتعزيز روح الانتماء، وهو ما ينعكس إيجاباً على الأداء الجماعي.
 
من المتوقع أن يبدأ الاتحاد قريباً في تقييم السير الذاتية لعدد من المدربين الوطنيين البارزين الذين يتمتعون بخبرة واضحة في التعامل مع المنتخبات الشابة والقدرة على بناء فريق قادر على المنافسة على أعلى المستويات الإفريقية والدولية.
الآثار المتوقعة للقرار والتطلعات المستقبلية
يحمل هذا القرار تداعيات متعددة على المشهد الكروي المصري بشكل عام وعلى مسيرة المنتخب الأولمبي بشكل خاص. فمن جهة، يعزز من مكانة المدرب الوطني ويدعم مسيرته، ويفتح آفاقاً جديدة أمام جيل من المدربين الطموحين الذين قد يجدون فرصتهم لقيادة منتخب وطني. ومن جهة أخرى، يضع هذا القرار مسؤولية إضافية على عاتق الاتحاد لضمان اختيار المدرب الأنسب الذي يمتلك الرؤية والقدرة على تحقيق الإنجازات المطلوبة، خاصة في ظل المنافسة الشرسة على الساحة الدولية.
بالنسبة للمنتخب الأولمبي نفسه، فإن تحديد هوية المدرب الوطني في هذه المرحلة المبكرة يعتبر خطوة إيجابية نحو توفير الاستقرار الفني والإداري، والبدء في وضع خطة إعداد متكاملة وطموحة. اللاعبون الشباب في حاجة ماسة إلى قيادة مستقرة ورؤية واضحة تمكنهم من تطوير مهاراتهم الفردية والانسجام كفريق واحد استعداداً للتحديات القادمة، أبرزها التصفيات المؤهلة لدورة الألعاب الأولمبية المقبلة. هذا الاستقرار يسمح أيضاً بتكوين قاعدة بيانات قوية للاعبين المؤهلين ومتابعة تطورهم عن كثب.
تترقب الأوساط الكروية والجماهير المصرية باهتمام بالغ الإعلان الرسمي عن اسم المدرب الجديد، آملين أن يكون هذا الاختيار قادراً على تحقيق طموحاتهم العريضة وقيادة المنتخب الأولمبي نحو إنجازات جديدة على الصعيدين القاري والعالمي، بدءاً من التأهل للأولمبياد وصولاً إلى تحقيق نتائج مشرفة فيها.