ارتفاع ضحايا القطاع الطبي في السودان إلى 233 قتيلاً منذ بدء الصراع
أفادت تقارير حديثة صادرة عن شبكة أطباء السودان بارتفاع مأساوي في عدد الكوادر الطبية الذين فقدوا حياتهم جراء النزاع الدائر في البلاد منذ أبريل 2023. وقد وصلت الحصيلة إلى 233 قتيلاً، في مؤشر مقلق على التدهور المستمر للظروف الأمنية التي يعمل فيها الأطباء والممرضون وغيرهم من العاملين في المجال الصحي. جاء هذا الإعلان عقب حادثة مؤسفة استهدفت فيها قوات الدعم السريع طبيباً داخل منزله الواقع بشرق النيل، مما يسلط الضوء على المخاطر الجسيمة التي تواجه الطواقم الطبية حتى خارج المنشآت الصحية.
خلفية الصراع وتداعياته على المنظومة الصحية
اندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وسرعان ما تحولت إلى صراع شامل ألقى بظلاله الكارثية على كافة مناحي الحياة المدنية. وقد شهدت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى مثل الجنينة وود مدني قتالاً عنيفاً، أدى إلى نزوح الملايين وتدمير البنى التحتية الحيوية. ويُعد هذا الصراع استمراراً لتوترات سياسية وعسكرية طويلة الأمد تفاقمت بعد الانقلاب العسكري عام 2021.
منذ بداية الأعمال العدائية، تعرضت المنظومة الصحية في السودان لضغوط غير مسبوقة. فقد أُغلقت أو خرجت عن الخدمة غالبية المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق النزاع بسبب القصف المباشر، أو نقص الإمدادات الأساسية، أو هروب الطواقم الطبية. وتشير تقديرات منظمات الصحة العالمية إلى أن أقل من 30% من المنشآت الصحية في المناطق المتأثرة بالحرب ما زالت تعمل، وغالباً بقدرة محدودة للغاية. هذا الانهيار يترك ملايين السودانيين دون أي وصول للخدمات الطبية الأساسية، مما يهدد بتفشي الأمراض والأوبئة.
استهداف الكوادر الطبية وتحديات العمل الإنساني
تشكل حصيلة الوفيات بين الكوادر الطبية البالغة 233 شخصاً دليلاً صارخاً على الانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي. وتضم هذه الإحصائية أطباء وممرضين وصيادلة وعاملين في الإسعاف وموظفين إداريين في القطاع الصحي، قضوا في ظروف مختلفة شملت الاستهداف المباشر للمنشآت الطبية، التعرض للقصف العشوائي، أو حتى القتل خارج نطاق المستشفيات كما حدث مع الطبيب في شرق النيل. إن العمل في الخطوط الأمامية للرعاية الصحية في السودان تحول إلى مهنة محفوفة بالمخاطر المميتة، حيث باتت المستشفيات والمرافق الطبية غير آمنة، وأصبح العاملون فيها هدفاً محتملاً.
إلى جانب الخطر المباشر على الأرواح، يواجه العاملون في القطاع الصحي تحديات هائلة تشمل انقطاع الكهرباء والمياه، نقص الوقود لتشغيل المولدات، ندرة الأدوية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات بسبب الحواجز الأمنية وغياب وسائل النقل. كما تعرضت بعض المرافق الطبية للنهب والسلب، مما فاقم من الأزمة. هذه الظروف القاسية تجبر العديد من الأطباء على النزوح أو مغادرة البلاد، مما يستنزف ما تبقى من الكفاءات الطبية الضرورية لإنقاذ الأرواح.
إن استمرار استهداف الكوادر الطبية وانهيار النظام الصحي له تداعيات كارثية تتجاوز أعداد الضحايا المباشرين. فهذا الوضع يؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية الثانوية، مثل سوء التغذية الحاد، وتفشي الأمراض المعدية كالكوليرا والحصبة، وصعوبة علاج الأمراض المزمنة. كما أن فقدان الخبرات الطبية يعني أن تعافي السودان بعد انتهاء الصراع سيكون أكثر صعوبة وطولاً، حيث ستفتقر البلاد إلى الكفاءات الأساسية لإعادة بناء منظومتها الصحية المتهالكة.
دعوات للحماية والمساءلة
تتوالى الدعوات من منظمات محلية ودولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود وشبكة أطباء السودان نفسها، إلى الأطراف المتحاربة لاحترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، وخاصة العاملين في القطاع الصحي والمرافق الطبية. وتشدد هذه المنظمات على ضرورة ضمان الممرات الآمنة لوصول المساعدات الطبية والإنسانية، ووقف جميع أشكال الهجمات على الطواقم الطبية التي تؤدي خدمات أساسية ومنقذة للحياة.
يؤكد هذا العدد الكبير من الوفيات بين الكوادر الطبية على أن الأزمة في السودان ليست مجرد صراع عسكري، بل هي كارثة إنسانية شاملة تتطلب استجابة دولية عاجلة وفعالة. إن حماية العاملين في المجال الصحي ليست مجرد التزام أخلاقي، بل هي ضرورة حتمية لضمان استمرار تقديم الرعاية الطبية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وللحفاظ على الحد الأدنى من الأمل في مستقبل أفضل للسودان.





