اعتبارًا من اليوم: الكشف عن تفاصيل قرار حكومي جديد بخصوص الإيجار القديم
في خطوة تنظيمية جديدة ضمن مساعي الدولة المستمرة لمعالجة إشكالية العلاقة بين المالك والمستأجر في ظل قانون الإيجار القديم، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن إصدار القرار رقم 3977 لسنة 2025. يقضي هذا القرار بتمديد عمل اللجان المكلفة بحصر وتصنيف الوحدات السكنية الخاضعة لأحكام القانون رقم 164 لسنة 2025، وذلك لمدة ثلاثة أشهر إضافية تبدأ من اليوم، الخامس من نوفمبر 2025. يأتي هذا الإجراء تأكيدًا على التزام الحكومة بتطبيق التعديلات التشريعية الجديدة بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة وإعادة التوازن المفقود بين حقوق طرفي العلاقة الإيجارية.

خلفية تاريخية وأهمية قانون الإيجار القديم
يمثل قانون الإيجار القديم في مصر إرثًا تشريعيًا يعود بجذوره إلى منتصف القرن الماضي، وتحديدًا بعد ثورة يوليو 1952، حيث صدرت قوانين لتنظيم العلاقة الإيجارية بهدف حماية المستأجرين في فترات شهدت ندرة في المعروض من الوحدات السكنية وارتفاعًا في الأسعار. كانت هذه القوانين تهدف في الأساس إلى تحقيق قدر من الاستقرار الاجتماعي، لكنها مع مرور الزمن، أفرزت تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة. تميزت عقود الإيجار القديم بقيم إيجارية رمزية للغاية لا تتناسب مع القيمة السوقية الحالية للعقارات، بالإضافة إلى الطبيعة شبه الدائمة لهذه العقود، مما قيد حق الملاك في التصرف في أملاكهم أو حتى الحصول على عائد استثماري مجدٍ منها.
نقاط الخلاف الرئيسية التي أثارها القانون:
- بالنسبة للملاك: عانوا من خسائر مالية فادحة بسبب تدني القيمة الإيجارية، مما أثر سلبًا على قدرتهم على صيانة عقاراتهم أو استغلالها بما يتناسب مع قيمتها الحقيقية. الكثير من العقارات القديمة شهدت تدهورًا كبيرًا لعدم وجود حافز اقتصادي للملاك للصيانة والتطوير.
- بالنسبة للمستأجرين: شكل القانون القديم مظلة حماية اجتماعية لهم، حيث كانت الإيجارات المنخفضة تضمن لهم سكنًا مستقرًا. ومع التوجه نحو إلغاء القانون أو تعديله، تنتابهم مخاوف مشروعة من فقدان هذا السكن وصعوبة إيجاد بدائل بأسعار مقبولة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
التطورات التشريعية الحديثة: قانون 164 لسنة 2025
في محاولة لمعالجة هذا الملف الشائك، شهدت الأعوام الأخيرة حراكًا تشريعيًا مكثفًا يهدف إلى إصلاح قانون الإيجار القديم. تُوجت هذه الجهود بإصدار القانون رقم 164 لسنة 2025، والذي يمثل حجر الزاوية في التوجه الجديد نحو إنهاء العمل بنظام الإيجار القديم تدريجيًا. هذا القانون يهدف إلى إيجاد حلول وسطية تضمن الانتقال السلس من النظام القديم إلى نظام يعكس الواقع الاقتصادي الحالي، مع مراعاة الظروف الاجتماعية للمستأجرين. تركز التعديلات على تحقيق العدالة بين الطرفين من خلال وضع آليات لزيادة القيمة الإيجارية بشكل تدريجي وتحديد فترات زمنية معينة لإنهاء العلاقة الإيجارية، وذلك بعد منح المستأجرين مهلًا كافية للتدبير والانتقال.
على الرغم من أن المراحل الأولى من تطبيق التعديلات قد ركزت بشكل كبير على الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن (التجارية والإدارية)، إلا أن القانون 164 لسنة 2025 يشمل أحكامًا تمهد لمعالجة وضع الوحدات السكنية أيضًا، وهو ما تؤكده الإشارة في قرار رئيس الوزراء إلى حصر الوحدات المؤجرة لغرض السكن. هذا التوجه يعكس استراتيجية الدولة في التعامل مع كافة جوانب المشكلة بشكل منهجي ومتدرج.
تفاصيل القرار الحكومي الأخير وتداعياته
يأتي قرار رئيس الوزراء بتمديد عمل لجان الحصر لمدة ثلاثة أشهر إضافية ليؤكد على مدى التعقيد الذي يواجهه المسؤولون في تنفيذ هذه الإصلاحات. هذه اللجان هي العمود الفقري لعملية التطبيق، حيث تتولى مسؤولية جمع البيانات الدقيقة والشاملة عن جميع العقارات والوحدات السكنية التي لا تزال خاضعة لقانون الإيجار القديم. يشمل عملها تحديد أعداد المستأجرين والملاك المتأثرين، ونوعية العقارات، وتحديد المناطق الجغرافية التي تتكدس فيها هذه الوحدات.
إن عملية الحصر الدقيق هذه ضرورية للغاية لأي عملية إصلاح شاملة، فهي توفر للجهات الحكومية المعنية الصورة الكاملة والبيانات الإحصائية اللازمة لصياغة السياسات المستقبلية، ووضع الخطط التنفيذية، وتخصيص الموارد اللازمة. إن تمديد فترة عمل هذه اللجان يشير إلى أن حجم المهمة أكبر مما كان متوقعًا، أو أن هناك حاجة لمزيد من التدقيق والتحقق لضمان عدم إغفال أي تفاصيل قد تؤثر على عدالة التطبيق وشموليته. كما أنه يعكس حرص الحكومة على استكمال هذه المرحلة التحضيرية بدقة متناهية قبل الانتقال إلى خطوات أكثر حسمًا في تطبيق القانون الجديد.
الأهداف الاستراتيجية والتطلعات المستقبلية
يهدف قرار الحكومة بخصوص الإيجار القديم، وتحديدًا فيما يتعلق بعمل لجان الحصر، إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية. أولاً، يضمن الانتقال المنظم والعادل من نظام إيجاري عفا عليه الزمن إلى نظام حديث يتوافق مع مبادئ السوق الحرة مع الحفاظ على البعد الاجتماعي. ثانيًا، يسعى إلى تنشيط سوق العقارات المصري، الذي تأثر سلبًا لسنوات طويلة بسبب هذه التشريعات. فمع تحرير الوحدات واستعادة الملاك لحقهم في التصرف في ممتلكاتهم، من المتوقع أن يزداد العرض في سوق الإيجارات، مما قد يؤدي إلى استقرار في الأسعار وتشجيع الاستثمار في القطاع العقاري.
تتطلع الحكومة من خلال هذه الإصلاحات إلى حل إحدى أبرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي طال أمدها، والتي أثرت على أجيال من الملاك والمستأجرين على حد سواء. إن عملية الحصر، وإن كانت تبدو خطوة إجرائية، هي في جوهرها أساس بناء مستقبل أفضل للعلاقة الإيجارية في مصر، تقوم على الشفافية والعدالة والتوازن بين الحقوق والواجبات لكل من المالك والمستأجر. ومع انتهاء فترة التمديد في فبراير 2026، يترقب الجميع الخطوات التالية التي ستتخذها الحكومة لاستكمال تطبيق أحكام القانون 164 لسنة 2025 والوصول إلى حلول نهائية لهذه القضية المعقدة.





