افتتاح المتحف المصري الكبير يجدد الجدل حول استعادة الآثار المصرية من الخارج
تزامناً مع الاهتمام العالمي والمحلي المحيط بالافتتاح المرتقب للمتحف المصري الكبير، عادت قضية استعادة الآثار المصرية من المتاحف العالمية إلى صدارة المشهد الثقافي والسياسي. هذا الصرح الحضاري، الذي وُصف بأنه أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، لا يمثل فقط إنجازاً معمارياً وثقافياً لمصر، بل أصبح أيضاً ورقة ضغط قوية في الجدل الدائر منذ عقود حول أحقية مصر في استرداد كنوزها الأثرية المعروضة في الخارج.

خلفية الجدل: كنوز فرعونية خارج حدودها
تعود قضية الآثار المصرية المهاجرة إلى قرون مضت، حيث نُقلت آلاف القطع الأثرية من مصر خلال فترات الاستعمار والحملات الأثرية الأجنبية في القرنين التاسع عشر والعشرين. وبينما تم بعض ذلك بشكل قانوني في حينه بموجب قوانين القسمة التي كانت سائدة، فإن شرعية نقل العديد من القطع الأبرز لا تزال موضع خلاف حاد. وتتركز المطالبات المصرية الحالية على مجموعة من القطع الفريدة التي تعتبر رموزاً للحضارة المصرية، أبرزها:
- حجر رشيد: المحفوظ حالياً في المتحف البريطاني بلندن، والذي كان مفتاح فك رموز اللغة الهيروغليفية.
- تمثال نفرتيتي: المعروض في متحف برلين الجديد بألمانيا، والذي يعد أيقونة للجمال في العصر القديم.
- القبة السماوية بمعبد دندرة: الموجودة في متحف اللوفر بباريس، والتي تمثل خريطة فلكية قديمة.
لطالما ارتكزت حجة المتاحف الأجنبية في رفضها إعادة هذه القطع على عدة نقاط، منها امتلاكها وثائق قانونية (وإن كانت محل نزاع)، وقدرتها على توفير أفضل سبل الحفظ والعرض، وإتاحتها لجمهور عالمي أوسع.
المتحف الكبير: حجة مصر الجديدة
مع اكتمال مشروع المتحف المصري الكبير المقام على هضبة الأهرامات بالجيزة، اكتسب الموقف المصري زخماً جديداً. فقد تم تصميم المتحف وفقاً لأحدث المعايير العالمية في العرض المتحفي والحفاظ على الآثار، مما يبطل تماماً الحجة القائلة بأن مصر لا تمتلك الإمكانيات اللازمة لرعاية كنوزها. يضم المتحف معامل ترميم متطورة وقاعات عرض ذكية ومساحات شاسعة قادرة على استيعاب ليس فقط مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة لأول مرة، بل أيضاً القطع الأثرية الضخمة التي قد تعود يوماً ما إلى وطنها.
أصبح وجود هذا الصرح العالمي رسالة واضحة للعالم بأن مصر مستعدة وجاهزة لاستقبال تراثها وتوفير أفضل بيئة ممكنة له، مما يضع ضغطاً أخلاقياً وسياسياً على الدول والمؤسسات التي تحتفظ بالآثار المصرية.
تجدد الحملات والمطالبات الشعبية
شهدت الفترة الأخيرة، وخاصة مع اقتراب موعد الافتتاح الرسمي للمتحف، تصاعداً في الحملات الشعبية والرسمية المطالبة بعودة الآثار. قاد علماء آثار مصريون بارزون، مثل الدكتور زاهي حواس، عرائض دولية وقعها آلاف المثقفين والأكاديميين حول العالم لدعم حق مصر. كما نشطت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسوم متعددة تطالب المتاحف العالمية بإعادة القطع الأثرية إلى موطنها الأصلي، معتبرين أن مكانها الطبيعي هو بجوار الأهرامات في المتحف المصري الكبير.
الأهمية والمعنى الأوسع
يمثل الجدل المتجدد حول استعادة الآثار أكثر من مجرد نزاع على قطع حجرية؛ فهو يرتبط بالهوية الوطنية والعدالة التاريخية وحق الشعوب في الحفاظ على تراثها الثقافي. افتتاح المتحف المصري الكبير لم يكن مجرد حدث ثقافي، بل كان بمثابة إعلان بأن مصر تمتلك الآن القدرة والإرادة لاستعادة تاريخها الكامل، مما يفتح فصلاً جديداً في هذه القضية الدبلوماسية والثقافية المعقدة.