الأزهر يتبنى التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتعزيز دوره العالمي
في خطوة استراتيجية تهدف إلى مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية وتحديث آليات نشر رسالته الدينية والتعليمية، أعلن الأزهر الشريف عن خططه الطموحة لتبني التحول الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتأتي هذه المبادرة، التي تحظى بدعم مباشر من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في إطار سعي المؤسسة العريقة لتعزيز حضورها العالمي، وتسهيل الوصول إلى علومها وتراثها، ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة بأساليب مبتكرة.

خلفية المبادرة وأهدافها الرئيسية
يواجه العالم اليوم تحولات متسارعة بفعل الثورة الرقمية، وهو ما يفرض على المؤسسات الكبرى، ومن بينها الأزهر، ضرورة التكيف وتطوير أدواتها للتواصل مع الأجيال الجديدة والباحثين حول العالم. وانطلاقًا من دوره كأحد أهم المراجع الإسلامية في العالم، يسعى الأزهر من خلال هذه الاستراتيجية إلى تحقيق عدة أهداف محورية، تم الإعلان عن ملامحها خلال فعاليات ومؤتمرات مختلفة جرت في أواخر عام 2023 ومطلع عام 2024.
تتمثل الأهداف الأساسية لهذه الخطة في النقاط التالية:
- نشر الفكر الوسطي المعتدل: استخدام المنصات الرقمية لتقديم الصورة الصحيحة للإسلام ومواجهة الأفكار المتطرفة والمغلوطة التي تنتشر عبر الإنترنت.
- الحفاظ على التراث الإسلامي: رقمنة وأرشفة ملايين الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة التي يزخر بها الأزهر، وإتاحتها للباحثين والدارسين على مستوى العالم عبر مشروع "ذاكرة الأزهر".
- تطوير العملية التعليمية: دمج التقنيات الحديثة في المناهج الدراسية وتوفير منصات تعليم إلكتروني للطلاب داخل مصر وخارجها، مما يوسع من قاعدة المستفيدين من علوم الأزهر.
- تحسين الخدمات الإدارية: ميكنة الإجراءات الإدارية داخل مشيخة الأزهر وقطاعاتها المختلفة لرفع الكفاءة وتسهيل الخدمات المقدمة للجمهور.
ملامح استراتيجية التحول الرقمي
أوضح مسؤولون بارزون في الأزهر، من بينهم الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الاستراتيجية لا تقتصر على مجرد التواجد الرقمي، بل تشمل بنية تحتية تكنولوجية متكاملة. من أبرز مكونات هذه الخطة هو تطوير بوابة الأزهر الإلكترونية لتصبح منصة شاملة تقدم خدمات متنوعة، تشمل الفتاوى الموثقة، والمواد التعليمية، والمكتبة الرقمية، والأخبار الرسمية للمؤسسة.
ويلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في هذه الرؤية، حيث يخطط الأزهر لاستخدامه في عدة مجالات، أبرزها تحليل البيانات الضخمة المتعلقة بالدراسات الإسلامية، وتطوير أنظمة متقدمة للمساعدة في إصدار الفتاوى عبر تحليل النصوص الشرعية، بالإضافة إلى استخدامه في ترجمة علوم الأزهر إلى لغات متعددة بشكل دقيق وسريع لتصل إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور العالمي.
الأهمية والتأثير المتوقع
يمثل هذا التوجه نقلة نوعية في تاريخ مؤسسة يتجاوز عمرها الألف عام، حيث يؤكد قدرتها على التجديد ومواكبة العصر دون التفريط في ثوابتها. ومن المتوقع أن يسهم التحول الرقمي في تعزيز مكانة الأزهر كقوة ناعمة لمصر والعالم الإسلامي، وكمنارة للمعرفة والفكر المعتدل في بيئة رقمية غالبًا ما تشهد استقطابًا وتضليلًا. كما تتماشى هذه الخطوة مع الاستراتيجية الوطنية المصرية لبناء "مصر الرقمية"، مما يعكس تكامل جهود مؤسسات الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة. إن نجاح هذه المبادرة لن يخدم الأزهر فقط، بل سيوفر نموذجًا رائدًا للمؤسسات الدينية والثقافية الأخرى في العالم لكيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة رسالتها الإنسانية والمعرفية.





