الإسكندرية على أهبة الاستعداد لموسم النوات: المواعيد المتوقعة وتداعيات الأمطار الغزيرة

تستعد محافظة الإسكندرية، عروس البحر الأبيض المتوسط، لموسم النوات السنوي، وهي ظاهرة جوية فريدة تضرب المدينة الساحلية بانتظام خلال فصلي الخريف والشتاء. تعد هذه النوات جزءًا لا يتجزأ من هوية الإسكندرية، وتتطلب تأهبًا مستمرًا من قبل الجهات الرسمية والمواطنين على حد سواء لمواجهة ما قد تحمله من أمطار غزيرة، رياح شديدة، واضطراب في حركة الملاحة البحرية. بينما تتجدد الاستعدادات لهذا الموسم، تبرز أهمية فهم هذه الظاهرة ومواعيدها المتوقعة للتخفيف من أي تأثيرات سلبية محتملة.

فهم ظاهرة النوات بالإسكندرية

تعود تسمية "النوات" إلى صيادي الإسكندرية القدامى الذين قاموا برصد هذه الظواهر الجوية الدورية وتوثيقها بأسماء مميزة ارتبطت غالبًا بأحداث دينية أو مواسم زراعية أو سمات النوة نفسها. وقد توارثت هذه الأسماء عبر الأجيال، لتصبح جزءًا من الثقافة المحلية وتاريخ المدينة. عادة ما تتسم هذه النوات، التي يبلغ عددها حوالي 20 نوة سنويًا، بالبرودة الشديدة والأمطار الغزيرة، وغالبًا ما يصاحبها ارتفاع في أمواج البحر، مما يؤثر على الأنشطة البحرية بشكل مباشر.

تتميز كل نوة بخصائصها ومواعيدها التقريبية، ورغم أنها ظواهر طبيعية متكررة، إلا أن شدتها وتأثيراتها يمكن أن تتفاوت من عام لآخر، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي قد تؤدي إلى تذبذبات في أنماط الطقس المعتادة. هذا يجعل الاستعداد المسبق أمرًا بالغ الأهمية.

التأهب والاستعدادات الرسمية

تضع الأجهزة التنفيذية بمحافظة الإسكندرية خططًا شاملة لمواجهة موسم النوات، تهدف إلى ضمان سلامة المواطنين والحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية. تشمل هذه الخطط تكثيف عمليات تطهير شبكات الصرف الصحي ورفع كفاءة محطات الصرف، بالإضافة إلى مراجعة جاهزية معدات شفط المياه وسيارات الكسح. كما يتم تشكيل غرف عمليات مركزية و فرعية على مدار الساعة لمتابعة الأوضاع، وتخصيص فرق طوارئ للتعامل الفوري مع أي تجمعات للمياه أو أعطال قد تنتج عن الأمطار الغزيرة والرياح القوية.

بالإضافة إلى ذلك، يتم التنسيق بين مختلف الجهات المعنية مثل شركة الصرف الصحي وشركة مياه الشرب وشركة الكهرباء وإدارة المرور، لضمان استجابة سريعة وفعالة لأي تحديات طارئة. تطلق المحافظة كذلك تحذيرات وإرشادات للمواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة، تدعوهم فيها لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.

تأثير النوات على الحياة اليومية والاقتصاد

لا تقتصر تداعيات النوات على مجرد هطول الأمطار، بل تمتد لتشمل جوانب متعددة من الحياة في الإسكندرية. قد تؤدي الأمطار الغزيرة إلى توقف حركة المرور في بعض الشوارع الرئيسية، وتأخير الدراسة، وإغلاق الموانئ لفترات مؤقتة لحماية السفن والصيادين. يتأثر قطاع الصيد بشكل مباشر، حيث يضطر الصيادون للتوقف عن العمل خلال فترات النوات، مما يؤثر على دخلهم وعلى توافر الأسماك في الأسواق. كما قد تتسبب الرياح العاتية في سقوط الأشجار وتلف الممتلكات وانقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق.

على الرغم من هذه التحديات، فإن الإسكندرية تتميز بقدرة عالية على التكيف والمرونة في التعامل مع هذه الظواهر، حيث أصبح سكانها معتادين على إجراءات السلامة واتخاذ التدابير الوقائية الضرورية.

مواعيد النوات الرئيسية المتوقعة

بناءً على التقويم التاريخي الذي وضعه الصيادون وتداولته الأجيال، تتوالى النوات الرئيسية على الإسكندرية بمواعيد تقريبية معروفة. من المهم الإشارة إلى أن هذه المواعيد قد تشهد اختلافات طفيفة سنويًا بسبب الظروف الجوية الراهنة، لكن النمط العام يبقى ثابتًا. من أبرز النوات المتوقعة في الفترة القادمة:

نوة المكنسة: تبدأ عادةً في منتصف نوفمبر وتستمر لأربعة أيام تقريبًا، وتتميز برياح شمالية غربية شديدة وأمطار غزيرة، وتُكنس البحر، ومن هنا جاءت تسميتها.
نوة قاسم: تأتي غالبًا في أوائل ديسمبر وتستمر لمدة خمسة أيام، وتُعرف بأمطارها الغزيرة ورياحها الجنوبية الغربية.
نوة الفيضة الصغرى: تحل في منتصف ديسمبر، وتجلب أمطارًا غزيرة ورياحًا شمالية غربية، وتستمر لخمسة أيام تقريبًا.
نوة عيد الميلاد: تُعرف ببرودتها الشديدة وأمطارها الغزيرة، وتبدأ عادةً في نهاية ديسمبر وتستمر ليومين أو ثلاثة، متزامنة مع احتفالات عيد الميلاد المجيد.
نوة رأس السنة: تبدأ مع بداية يناير، وتستمر لمدة أربعة أيام وتتميز بأمطارها الغزيرة والرياح الباردة.
نوة الفيضة الكبرى: تعد من أقوى النوات، وتأتي في منتصف يناير وتستمر لستة أيام، وتجلب أمطارًا غزيرة ورياحًا شمالية غربية قوية تؤدي إلى ارتفاع أمواج البحر بشكل كبير.

أهمية الوعي المجتمعي والتعاون

لضمان المرور الآمن لموسم النوات، يلعب الوعي المجتمعي دورًا حيويًا. يجب على المواطنين متابعة النشرات الجوية الرسمية والالتزام بالإرشادات الصادرة عن الجهات المختصة. يشمل ذلك تجنب المناطق المنخفضة، عدم لمس أعمدة الإنارة أثناء الأمطار، وتأمين النوافذ والأشياء المعرضة للسقوط. التعاون بين الأفراد والسلطات المحلية هو المفتاح لتقليل المخاطر والحفاظ على سلامة الجميع. إن تجربة الإسكندرية الطويلة مع النوات قد رسخت ثقافة الاستعداد والصمود، مما يعزز من قدرتها على تجاوز تحديات هذه الظاهرة الطبيعية كل عام.