الاتحاد الأوروبي يدرس تعليق أجزاء من قانون الذكاء الاصطناعي وسط ضغوط أمريكية
يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً متزايدة من الولايات المتحدة لدفع بروكسل إلى إعادة النظر في جوانب معينة من قانون الذكاء الاصطناعي التاريخي الذي وافقت عليه مؤخراً، وقد تصل هذه الضغوط إلى حد تعليق بعض بنوده. يُعتبر هذا القانون الأول من نوعه في العالم لضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي، ويهدف إلى وضع معايير عالمية للسلامة والشفافية وحماية الحقوق الأساسية في هذا المجال التكنولوجي المتطور.
تأتي هذه التطورات في ظل سجال دولي حول كيفية تنظيم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سريعة النمو، حيث تسعى الدول الكبرى لفرض رؤيتها الخاصة على المشهد التنظيمي العالمي. يشير النقاش الحالي إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يجد نفسه مضطراً للموازنة بين طموحه التنظيمي والحفاظ على علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع شريكه الرئيسي عبر الأطلسي.
خلفية قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي
يمثل قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي تشريعاً رائداً يهدف إلى تنظيم جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي المطروحة في السوق الأوروبية أو المستخدمة فيها. يعتمد القانون نهجاً قائماً على المخاطر، حيث يفرض التزامات مختلفة على الأنظمة بناءً على مستوى المخاطر التي تشكلها:
- الأنظمة المحظورة: تلك التي تشكل تهديداً واضحاً للحقوق الأساسية أو السلامة، مثل أنظمة التنقيط الاجتماعي أو التحديد البيومتري عن بُعد في الأماكن العامة.
- أنظمة المخاطر العالية: تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة مثل البنية التحتية الحيوية، التعليم، التوظيف، الرعاية الصحية، وإنفاذ القانون. تتطلب هذه الأنظمة تقييمات صارمة للمطابقة، وإشرافاً بشرياً، وتسجيل بيانات، وشفافية أكبر.
- أنظمة المخاطر المحدودة والدنيا: تخضع لمتطلبات شفافية أقل صرامة أو لا تخضع لمتطلبات تنظيمية محددة.
تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن تفاصيل القانون في ديسمبر 2023 بعد مفاوضات ماراثونية، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بالكامل تدريجياً خلال السنوات المقبلة، مع بدء تطبيق بعض بنوده في وقت مبكر.
المنظور الأمريكي والضغط المتزايد
منذ بداية صياغة القانون، أعربت الولايات المتحدة وعدد من الشركات التكنولوجية الكبرى عن قلقها بشأن بعض جوانبه. ترتكز المخاوف الأمريكية بشكل أساسي على النقاط التالية:
- خنق الابتكار: يرى البعض في الولايات المتحدة أن التشريعات الأوروبية الصارمة قد تعيق الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وتضع الشركات الأوروبية في وضع تنافسي ضعيف.
- تكاليف الامتثال: قد تفرض المتطلبات التنظيمية المعقدة تكاليف امتثال باهظة على الشركات الأمريكية التي تسعى للعمل في السوق الأوروبية، مما قد يؤثر على استثماراتها ونموها.
- تعريفات واسعة للمخاطر: تشكو بعض الأطراف من أن تعريفات “أنظمة المخاطر العالية” قد تكون واسعة جداً، مما يشمل تطبيقات قد لا تشكل بالضرورة تهديداً كبيراً، ويضع أعباءً غير ضرورية على المطورين.
- تجزئة السوق: يمكن أن تؤدي الاختلافات الكبيرة بين القوانين الأوروبية والأمريكية إلى تجزئة السوق الرقمية، مما يصعب على الشركات العالمية الامتثال لمجموعة مختلفة من القواعد.
تُمارس واشنطن هذه الضغوط من خلال القنوات الدبلوماسية، والاجتماعات رفيعة المستوى، وعبر مجموعات الضغط التي تمثل مصالح الشركات التكنولوجية. الهدف هو دفع الاتحاد الأوروبي إما لتخفيف بعض البنود أو تأخير تطبيقها، لضمان توافق أكبر مع النهج الأمريكي الذي يميل إلى التنظيم الأكثر مرونة ويُركز على الابتكار.
التطورات الحالية واعتبارات الاتحاد الأوروبي
في الآونة الأخيرة، تشير التقارير إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس بجدية خيارات للتعامل مع هذه الضغوط. قد تشمل هذه الخيارات:
- تعليق بعض الأجزاء: من المحتمل أن يتم تعليق تطبيق بعض البنود الأكثر إثارة للجدل أو الأكثر تعقيداً في القانون، مما يمنح الشركات المزيد من الوقت للتكيف ويقلل من الاحتكاك مع واشنطن.
- تفسيرات توجيهية: قد تصدر المفوضية الأوروبية إرشادات توجيهية تفسيرية للقانون، تهدف إلى توضيح كيفية تطبيق بعض البنود بطريقة تقلل من الأعباء على الشركات أو تعالج المخاوف الأمريكية دون تغيير نص القانون الأساسي.
- تأخير الجدول الزمني: يمكن أيضاً تأخير الجدول الزمني لتطبيق بعض المتطلبات، مما يمنح الصناعة فترة زمنية أطول للاستعداد.
تُعد هذه الخطوة حساسة للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يطمح لأن يكون رائداً عالمياً في تنظيم التكنولوجيا. أي تراجع قد يراه البعض بمثابة إضعاف لموقفه التفاوضي وتقويض لقدرته على وضع معايير عالمية. ومع ذلك، فإن تجاهل الضغوط الأمريكية قد يؤدي إلى توترات تجارية واقتصادية، مما قد يؤثر سلباً على اقتصادات الدول الأعضاء.
التداعيات المحتملة
إن قرار الاتحاد الأوروبي، سواء بالاستجابة للضغوط أو التمسك بموقفه، سيكون له تداعيات بعيدة المدى:
- على الصناعة: قد يؤدي تعليق أو تعديل بعض البنود إلى تخفيف العبء التنظيمي على شركات التكنولوجيا، مما قد يحفز الابتكار والاستثمار. على الجانب الآخر، قد يثير مخاوف بشأن عدم اتساق المعايير والمسؤولية.
- على المشهد التنظيمي العالمي: إذا خفف الاتحاد الأوروبي من تشريعاته، فقد يؤثر ذلك على قدرته على تحديد المعايير العالمية للذكاء الاصطناعي، وربما يشجع دولاً أخرى على اتباع نهج أكثر تساهلاً.
- على العلاقات عبر الأطلسي: يمكن أن يساعد التوصل إلى حل وسط في تخفيف التوترات وتحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي علاقات أساسية في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.
- على حماية المستخدمين: أي تخفيف في القانون قد يثير تساؤلات حول مدى كفاية حماية المستخدمين الأفراد من المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، وهو أحد الأهداف الأساسية للتشريع.
نظرة مستقبلية
تظل المباحثات مستمرة بين بروكسل وواشنطن، ومن المتوقع أن تتكثف في الأشهر المقبلة. سيتعين على الاتحاد الأوروبي إيجاد توازن دقيق بين طموحه في قيادة تنظيم الذكاء الاصطناعي، وضمان بيئة مواتية للابتكار، والحفاظ على شراكة قوية مع الولايات المتحدة. إن كيفية حل هذا التحدي ستشكل سابقة مهمة لمستقبل تنظيم التكنولوجيا على مستوى العالم.





