الاهتمام باللياقة البدنية في مصر: دعوة رئاسية وتساؤلات حول واقع الممارسة الرياضية
مؤخرًا، تكررت الدعوات الرئاسية في مصر للتركيز على أهمية اللياقة البدنية وممارسة الرياضة، وذلك في سياق جهود الدولة لتحسين جودة حياة المواطنين وتعزيز الصحة العامة. وقد جاءت هذه الدعوات لتسلط الضوء مجددًا على قضية حيوية تتعلق بصحة المجتمع وإنتاجيته، ولتطرح في الوقت ذاته تساؤلات حول مدى استجابة المصريين لهذه التوجيهات وما هي النسبة الحقيقية للممارسين للرياضة بانتظام.

خلفية وأهمية الدعوة الرئاسية
تأتي دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاهتمام باللياقة البدنية ضمن رؤية أوسع للدولة المصرية تهدف إلى بناء إنسان سليم ومعافى، قادر على المساهمة بفعالية في مسيرة التنمية. فلطالما ارتبطت اللياقة البدنية بتحسين الصحة العامة، تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وتعزيز الصحة النفسية والعقلية. كما أنها تلعب دورًا محوريًا في زيادة الإنتاجية الاقتصادية وتقليل الأعباء المالية على نظام الرعاية الصحية.
البيانات الصحية العالمية والمحلية تشير إلى تزايد معدلات السمنة والخمول البدني في العديد من المجتمعات، بما في ذلك مصر، مما يستدعي تدخلاً جادًا وممنهجًا على المستويات كافة. لذلك، فإن إبراز القيادة السياسية لأهمية هذا الملف يمثل حافزًا قويًا للمؤسسات الحكومية والمجتمع ككل لإعطاء الأولوية للنشاط البدني، وقد لوحظ هذا التركيز بشكل متزايد خلال السنوات القليلة الماضية، مع تداعيات جائحة كورونا التي سلطت الضوء أكثر على أهمية المناعة واللياقة.
واقع الممارسة الرياضية في مصر: إحصائيات وتحديات
على الرغم من الأهمية الكبيرة للياقة البدنية والدعوات المتكررة لممارستها، تشير العديد من الدراسات والتقارير إلى أن نسبة المصريين الممارسين للرياضة بانتظام لا تزال متدنية. فوفقًا لبعض التقديرات الصادرة عن جهات معنية، مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أو تقارير وزارة الصحة، فإن أقل من 20% من السكان البالغين قد يمارسون النشاط البدني الكافي الذي توصي به المنظمات الصحية العالمية، وهو ما يضع تحديًا كبيرًا أمام جهود تحسين الصحة العامة.
تتعدد العوامل التي تساهم في هذا الانخفاض، ومن أبرزها:
- قلة الوعي: عدم إدراك قطاع كبير من السكان للفوائد الصحية المباشرة والطويلة الأمد لممارسة الرياضة، وربطها بالاحتراف أو الترفيه بدلاً من ضرورة صحية يومية.
- غياب الوقت: الانشغال بالعمل والمتطلبات اليومية، خاصة في المدن الكبرى ذات الإيقاع السريع، وصعوبة إيجاد وقت مخصص للنشاط البدني.
- قلة المرافق: عدم توافر الأماكن المخصصة لممارسة الرياضة أو سهولة الوصول إليها، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والأحياء الشعبية، أو عدم صيانة الموجود منها.
- التكلفة: ارتفاع رسوم عضويات النوادي الرياضية أو شراء المعدات، مما يجعلها غير متاحة للجميع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
- العادات الثقافية: تفضيل الأنشطة الترفيهية الأخرى التي لا تتطلب مجهودًا بدنيًا، بالإضافة إلى انتشار ثقافة الأطعمة السريعة وقلة الاهتمام بالوجبات الصحية.
- القيود الاجتماعية: خاصة بالنسبة للمرأة في بعض البيئات، حيث قد تواجه صعوبات في ممارسة الرياضة في الأماكن العامة، مما يحد من خياراتها.
جهود الدولة والمستقبل
لم تقتصر جهود الدولة على مجرد الدعوات، بل امتدت لتشمل مبادرات ومشروعات تهدف إلى تفعيل دور الرياضة في المجتمع. من أبرز هذه الجهود حملة “100 مليون صحة” التي تضمنت إلى جانب الفحص الشامل التوعية بأهمية نمط الحياة الصحي والنشاط البدني. كما تسعى الحكومة إلى تطوير البنية التحتية الرياضية وتوفير مساحات خضراء ومتنزهات تشجع على المشي والأنشطة البدنية، مع التركيز على مشروعات مثل “الدراجة لكل مواطن” لتعزيز ثقافة استخدام الدراجات كوسيلة للنقل والرياضة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك توجيهات لوزارات مثل الشباب والرياضة، الصحة، والتربية والتعليم، بالعمل على دمج النشاط البدني في الروتين اليومي للمواطنين، سواء عبر المناهج التعليمية أو برامج اللياقة البدنية في أماكن العمل والجامعات. تكمن أهمية هذه الجهود في كونها لا تركز فقط على الرياضة التنافسية، بل على الرياضة المجتمعية التي يمكن أن يمارسها كل فرد بغض النظر عن عمره أو قدراته.
تبقى التحديات قائمة، ويتطلب الأمر تضافر جهود الجميع – أفرادًا ومؤسسات – لترجمة هذه الدعوات إلى واقع ملموس يحقق الفائدة المرجوة لصحة المصريين ومستقبلهم. إن تحقيق زيادة ملموسة في نسبة الممارسين للرياضة سيتطلب حملات توعية مستمرة، وتوفير بنية تحتية ملائمة، ودعم السياسات التي تشجع على نمط حياة نشط وصحي يساهم في بناء مجتمع أكثر صحة وإنتاجية.





