البوليساريو تجدد تأكيدها على حق الصحراويين في تقرير المصير
في بيانات وتصريحات متكررة، أعادت جبهة البوليساريو التأكيد على ما تصفه بـ "الحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال". وتأتي هذه التصريحات في سياق نزاع إقليمي طويل الأمد ومساعٍ دبلوماسية متعثرة تقودها الأمم المتحدة، مما يعكس تمسك الجبهة بموقفها الأساسي الذي شكل جوهر القضية لعقود.

خلفية النزاع التاريخية
يعود أصل نزاع الصحراء الغربية إلى عام 1975، عندما أنهت إسبانيا وجودها الاستعماري في المنطقة. وفي أعقاب ذلك، أعلنت المملكة المغربية سيادتها على الإقليم، مدعومة بـ "المسيرة الخضراء"، بينما طالبت جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، بالاستقلال وأعلنت قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". أدى هذا الخلاف إلى اندلاع نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، حين تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
نص الاتفاق على إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، التي كانت مهمتها الأساسية تنظيم استفتاء يمنح سكان الإقليم الخيار بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب. إلا أن هذا الاستفتاء لم يُجرَ قط بسبب خلافات عميقة بين الطرفين حول تحديد هوية من يحق له التصويت.
التطورات الأخيرة والموقف الحالي
شهد النزاع تصعيداً ملحوظاً في نوفمبر 2020، عندما انهار وقف إطلاق النار الذي دام قرابة ثلاثة عقود. أعلنت جبهة البوليساريو استئناف الكفاح المسلح رداً على عملية عسكرية قام بها الجيش المغربي في منطقة الكركرات العازلة لتأمين طريق تجاري حيوي. ومنذ ذلك الحين، تشهد المنطقة توترات عسكرية متقطعة، وإن كانت على نطاق محدود.
على الصعيد الدبلوماسي، تتواصل جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، لإحياء العملية السياسية. وتتمحور هذه الجهود حول صيغة "الموائد المستديرة" التي تشمل المغرب وجبهة البوليساريو، بالإضافة إلى الجزائر وموريتانيا بصفتهما طرفين معنيين. ومع ذلك، لا يزال التقدم ضئيلاً بسبب المواقف المتباينة بشكل حاد:
- جبهة البوليساريو: تصر على أن أي حل يجب أن يضمن إجراء استفتاء لتقرير المصير يشمل خيار الاستقلال، وتعتبر هذا المبدأ أساساً لأي مفاوضات مستقبلية.
- المملكة المغربية: تؤكد أن مقترحها للحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، الذي قدمته عام 2007، هو الحل الوحيد الممكن والواقعي لإنهاء النزاع، رافضةً خيار الاستقلال بشكل قاطع.
السياق الإقليمي والدولي
يلعب السياق الدولي دوراً محورياً في تشكيل مسار النزاع. يُعد الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو عاملاً رئيسياً، حيث تستضيف الجزائر مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف وتقدم الدعم السياسي والعسكري للجبهة. وقد أدت هذه القضية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر في عام 2021، مما زاد من حالة عدم الاستقرار في منطقة المغرب العربي.
شهد الموقف الدولي تحولاً مهماً في أواخر عام 2020 عندما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. ورغم أن هذا الاعتراف لم يغير الإطار القانوني للقضية في الأمم المتحدة، إلا أنه قدم زخماً دبلوماسياً للموقف المغربي. في المقابل، تحافظ قوى دولية أخرى، مثل روسيا، على موقف أكثر حيادية، بينما تدعم دول أوروبية مؤثرة مثل فرنسا وإسبانيا بشكل عام المقترح المغربي للحكم الذاتي كـ"أساس جاد وذي مصداقية" للمفاوضات.
تكمن أهمية التأكيدات المتكررة لجبهة البوليساريو في أنها رسالة موجهة للمجتمع الدولي، تهدف إلى إبقاء القضية حية على الأجندة الدولية ومنع تهميش مطلب تقرير المصير في ظل التحولات الجيوسياسية. كما تعكس هذه التصريحات إصرار الجبهة على عدم القبول بأي حل لا يلبي تطلعاتها الأساسية، مما ينذر باستمرار حالة الجمود الدبلوماسي والعسكري في المستقبل المنظور.