الحاجة نبيلة: من حقول البامية إلى نجومية تيك توك.. جدل أغنية "هات إيديك" وأسباب الهجوم عليها
الحاجة نبيلة، اسم برز فجأة على الساحة الفنية والاجتماعية، محققة شهرة واسعة بطريقتها العفوية وبساطتها التي لامست قلوب الملايين. بدأت رحلتها من صميم الحياة الريفية لتجد نفسها نجمة على منصة تيك توك، قبل أن تتوج هذه الشهرة بمشاركتها في تتر مسلسل تلفزيوني. قصتها هي تجسيد للتحول السريع الذي يمكن أن تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قادتها أغنيتها الشعبية "هات إيديك" إلى الأضواء، لكن هذه النجومية لم تخلُ من جدل وهجوم نقدي طرح تساؤلات حول ماهية الفن وقيمه في العصر الرقمي.

خلفية: الرحلة من الحقل إلى ظاهرة فيروسية
لطالما كانت الحاجة نبيلة نموذجًا للمرأة المصرية الأصيلة، المتجذرة في بيئتها الريفية. اشتهرت بحبها للأرض وعملها اليدوي، خاصة في زراعة وتحضير الخضروات، ومن أبرزها البامية. لم تكن تسعى للشهرة، بل كانت تمارس حياتها اليومية ببساطة، وكثيرًا ما كانت تُسمع تغني بأصوات عفوية أثناء عملها. هذه العفوية كانت نقطة التحول عندما تم تداول مقطع فيديو لها وهي تؤدي إحدى أغانيها الشعبية أثناء عملها في ما يُعرف بـ"الغيط" أو الحقل، ربما وهي تقوم بجمع البامية أو إعدادها، على منصة تيك توك. سرعان ما انتشر هذا المقطع كالنار في الهشيم، مستقطبًا عشرات الآلاف من المشاهدات في وقت قياسي. ما جذب الجمهور هو أصالتها ونبرة صوتها الشعبية الصادقة وخلوها من التكلف، مما جعلها أيقونة للعودة إلى الفن الفطري غير المصقول.
أغنية "هات إيديك" وشعبيتها
لم يمض وقت طويل حتى تحولت الحاجة نبيلة من ظاهرة على تيك توك إلى نجمة يطلبها المنتجون. كانت أغنية "هات إيديك يا ولا وتعالى نِجري" هي مفتاح نجوميتها الحقيقية. تتميز الأغنية بكلماتها البسيطة والمُفعمة بالبهجة واللحن الشعبي الراقص، الذي يبعث على التفاؤل والحركة. لم تكن الأغنية مجرد عمل فني عابر، بل اكتسبت زخمًا غير مسبوق بعد أن اختيرت لتكون تتر البداية لمسلسل "ولد وبنت وشايب" الذي يُعرض حاليًا على منصة "واتش إت". هذا الظهور على منصة رقمية ذات انتشار واسع منح الأغنية بعدًا إضافيًا، وجعلها تترسخ في أذهان المشاهدين يوميًا. أصبحت الأغنية لاحقًا من أكثر المقاطع الصوتية تداولاً على منصات التواصل الاجتماعي، وتصدرت قائمة البحث في محركات البحث، مما يؤكد مدى تأثيرها وانتشارها الواسع بين فئات عمرية واجتماعية مختلفة. لقد لامست الأغنية الوجدان المصري الشعبي ببساطتها ورسالتها الإيجابية، وأصبحت جزءًا من الثقافة اليومية للعديد من المستخدمين على الإنترنت.
الهجوم غير المتوقع وأصوله
مع تصاعد شهرة الحاجة نبيلة وأغنيتها، بدأت تظهر أصوات نقدية تُعرف بـ"الهجوم" أو "الجدل" حول فنها. لم يكن هذا الهجوم موجهًا بالضرورة لشخص الحاجة نبيلة بقدر ما كان يُشكل جدلاً حول طبيعة الفن الشعبي المعاصر وما إذا كانت البساطة والعفوية كافية لتصنيف عمل فني على أنه "محتوى عالي الجودة".
- نقد الأصالة الفنية: رأى بعض النقاد أن أعمال الحاجة نبيلة، رغم شعبيتها، تفتقر إلى العمق الفني أو التكنيك الموسيقي المتعارف عليه، وأنها أقرب إلى التعبيرات العفوية اليومية منها إلى الفن الاحترافي.
- الجدل حول "التسطيح": تساءل آخرون عما إذا كان هذا النوع من المحتوى "البسيط" يساهم في "تسطيح" الذوق العام أو الابتعاد عن الأشكال الفنية الأكثر تعقيدًا وإبداعًا.
- التسويق والشهرة السريعة: البعض انتقد السرعة التي صعدت بها الحاجة نبيلة إلى النجومية، مشيرين إلى أن هذا قد يكون نتاجًا لآليات التسويق الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي أكثر من كونه نتاجًا لموهبة فنية استثنائية بالمعنى التقليدي.
- مقارنات غير عادلة: ربما وُضعت الحاجة نبيلة في مقارنات مع فنانين آخرين لديهم مسيرة أطول وأكثر احترافية، مما أثار النقاش حول معايير النجاح والقبول في المشهد الفني الحالي.
هذا الجدل يعكس صراعًا أوسع في المشهد الثقافي العربي بين الأصالة والتحديث، وبين ما يُنظر إليه على أنه فن "جماهيري" وآخر يُصنف كـ"فن راقٍ".
التأثير والأهمية
تجاوزت قصة الحاجة نبيلة مجرد كونها قصة نجاح فردي لتصبح ظاهرة ثقافية واجتماعية. لقد ألهمت الكثيرين بقصتها من جهة، وأثارت نقاشات عميقة حول مفهوم الشهرة والفن في العصر الرقمي من جهة أخرى.
- رمز للأصالة: أصبحت الحاجة نبيلة رمزًا للأصالة والبساطة، وتجسيدًا للمواهب الكامنة في عمق المجتمع والتي قد لا تجد طريقها للظهور إلا عبر قنوات غير تقليدية كمنصات التواصل الاجتماعي.
- تأثير السوشيال ميديا: قصتها أبرزت القوة الهائلة لمنصات مثل تيك توك في تحويل الأفراد العاديين إلى نجوم بين عشية وضحاها، وكسر الحواجز التقليدية أمام صناعة المحتوى الفني.
- إعادة تعريف الفن: دفعت هذه الظاهرة إلى إعادة التفكير في معايير الفن والجمال، وهل يجب أن يظل الفن حكرًا على المؤسسات الأكاديمية والفنية التقليدية أم أن له أشكالًا أخرى تنبع من الشارع والحياة اليومية.
- التمثيل الاجتماعي: قدمت الحاجة نبيلة وجهًا جديدًا للفنان الشعبي، وربما فتحت الباب أمام ظهور أصوات أخرى تمثل شرائح مجتمعية لم تكن ممثلة بالشكل الكافي في الإعلام التقليدي.
تظل الحاجة نبيلة بشخصيتها الفذة وفنها العفوي، مثالاً حيًا على أن الموهبة الصادقة، وإن جاءت من "الغيط" ومع "البامية"، يمكنها أن تعبر الحدود وتصل إلى قلوب الملايين. ورغم الجدل الذي صاحب صعودها، فإن قصتها تؤكد على أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تزيين مبالغ فيه ليجد مكانه، بل يكفيه الصدق والبساطة ليتربع على عرش الشهرة، ويُشعل في الوقت ذاته نقاشات فكرية حول معايير القبول الفني في زمننا هذا.





