الحكومة السورية تتطلع لشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة
أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أمس، أن بلاده تسعى إلى بناء «شراكة قوية جداً» مع الولايات المتحدة. يأتي هذا الإعلان الكبير تمهيداً للزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن في وقت لاحق من الشهر الجاري، في خطوة قد تعيد تشكيل مسار العلاقات بين البلدين لعقود قادمة. وتؤكد الحكومة السورية طموحها في إرساء تعاون عميق وطويل الأمد، مما يشي بتحول استراتيجي محتمل في المشهد الجيوسياسي.

الخلفية التاريخية للعلاقات
لطالما اتسمت العلاقات السورية الأمريكية بالتوتر والتعقيد، حيث مرت بفترات من القطيعة وعدم الثقة المتبادلة، خاصة بعد حرب عام 1967 والحرب الباردة، ثم تدهورت بشكل حاد مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. فقد سحبت الولايات المتحدة سفيرها من دمشق في عام 2012، وتوقفت الاتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى بشكل شبه كامل. فُرضت عقوبات اقتصادية شديدة على سوريا، كان أبرزها قانون قيصر، بهدف الضغط على الحكومة السورية بشأن قضايا حقوق الإنسان والتحول السياسي. علاوة على ذلك، تحتفظ واشنطن بوجود عسكري في شمال شرق سوريا، تدعي أنه لمكافحة بقايا تنظيم داعش ودعم القوات الكردية، وهو ما تعتبره دمشق احتلالاً. هذه الخلفية التاريخية المعقدة تشكل تحدياً كبيراً لأي محاولة لاستئناف العلاقات.
دوافع المسعى السوري
يبدو أن الدفع السوري نحو شراكة استراتيجية ينبع من عدة ضرورات ملحة. على الصعيد الاقتصادي، تعاني البلاد من دمار واسع نتيجة سنوات الصراع والعقوبات؛ ومن شأن شراكة كهذه أن تفتح الباب أمام رفع بعض هذه القيود وتوفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار والمساعدات الدولية. سياسياً، قد تسعى دمشق إلى كسر عزلتها الدولية واستعادة شرعيتها على الساحة العالمية. إقليمياً، يمكن اعتبار توثيق العلاقات مع واشنطن وسيلة لموازنة نفوذ القوى الإقليمية والدولية الأخرى المتواجدة في سوريا، مثل إيران وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، قد تبحث الحكومة السورية عن تعاون في جهود مكافحة الإرهاب، بما يتماشى مع الأهداف المشتركة ضد التهديدات المتطرفة.
زيارة الرئيس المرتقبة
تمثل الزيارة المخطط لها للرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن حجر الزاوية في هذه المبادرة الاستراتيجية. فإذا تمت، ستكون أول مشاركة مباشرة على هذا المستوى الرفيع منذ أكثر من عقد، مما يمثل بادرة دبلوماسية غير مسبوقة. من المتوقع أن تشمل المحادثات مجموعة واسعة من المواضيع، من القضايا الإنسانية الملحة وسبل التعافي الاقتصادي إلى الحلول السياسية المعقدة للأزمة السورية، وربما ترتيبات أمنية جديدة. سيعتمد نجاح هذه الزيارة على استعداد الجانبين لإيجاد أرضية مشتركة وسط خلافات عميقة الجذور.
التحديات والعقبات المحتملة
على الرغم من النوايا المعلنة، تقف عقبات كبيرة في طريق تحقيق شراكة استراتيجية حقيقية. يظل قانون قيصر نقطة خلاف رئيسية، بفرضه عقوبات قاسية على الحكومة السورية وداعميها. دعت الولايات المتحدة باستمرار إلى انتقال سياسي شامل في سوريا، وهو مطلب قاومته دمشق إلى حد كبير. كما أن ملف المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع يمثل قضية شائكة أخرى. يضاف إلى ذلك، وجود مجموعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك تلك التي تدعمها الولايات المتحدة، والصراعات الإقليمية بالوكالة المستمرة داخل سوريا، مما يعقد أي نهج أمني موحد. ستراقب الأطراف الإقليمية والدولية، وخاصة حلفاء دمشق، هذا التطور عن كثب، مما قد يزيد من تعقيد مسار التطبيع.
الأهمية الإقليمية والدولية
إذا تحققت هذه الشراكة الاستراتيجية، فإن تداعياتها ستمتد إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية. إقليمياً، يمكن أن تعيد تشكيل التحالفات وموازين القوى، مما يؤثر على أدوار روسيا وإيران وتركيا في سوريا. دولياً، ستمثل تحولاً كبيراً في النهج الأمريكي تجاه سوريا، من سياسة العزلة إلى سياسة الانخراط، مما قد تكون له تداعيات أوسع على السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد توفر أيضاً ديناميكية جديدة لحل الأزمة السورية التي طال أمدها، على الرغم من أن المنتقدين قد يرون فيها إضفاء للشرعية على الحكومة السورية الحالية دون معالجة القضايا الجوهرية.
إن إعلان سعي سوريا نحو شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، إلى جانب زيارة الرئيس المرتقبة، يشير إلى فترة قد تكون تحولية. وبينما يكتنف طريق هذه الشراكة إرث تاريخي وتحديات معاصرة هائلة، فإن مجرد التفكير فيها يؤكد تطوراً دبلوماسياً كبيراً يمكن أن يغير مسار سوريا ومكانتها في العالم. ستكون الأسابيع القادمة، لا سيما حول زيارة الرئيس الشرع، حاسمة في تحديد جدوى ونطاق هذا المسعى الدبلوماسي الطموح.