الدورة 33 لمهرجان الموسيقى العربية: مي فاروق تتألق بالطرب الأصيل وعلي الحجار يلامس أوتار الحنين
اختتمت فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في مطلع شهر نوفمبر الجاري، محققة نجاحًا لافتًا في استعادة بريق العصر الذهبي للنغم الأصيل. حملت هذه الدورة اسم كوكب الشرق أم كلثوم، وذلك بالتزامن مع مرور خمسين عامًا على رحيلها، مما أضفى عليها بعدًا تاريخيًا وثقافيًا عميقًا. وقد شكل المهرجان، الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية ممثلة في دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام، منصة استثنائية للاحتفاء بالإرث الموسيقي العربي وتجديد الصلة بين الأجيال الفنية والجماهير.

أبرز الفعاليات والنجوم
شهدت خشبات المسارح المشاركة في المهرجان، لا سيما المسرح الكبير بدار الأوبرا، سلسلة من الأمسيات الطربية التي جمعت كوكبة من ألمع نجوم الموسيقى العربية. ومن بين هؤلاء، برزت الفنانة القديرة مي فاروق التي نقلت الجمهور إلى "ضفاف الطرب" بأدائها الفريد وأوتار صوتها التي تجسد روح الغناء العربي الأصيل. قدمت فاروق باقة من أجمل الأغاني، بما في ذلك مختارات من روائع أم كلثوم، مستعرضة قدرتها على الإبحار في المقامات الصعبة والتعبير عن عمق الكلمات والمشاعر، وهو ما يؤكد مكانتها كإحدى أبرز الأصوات الحافظة لتراث الطرب.
في المقابل، أمتع الفنان الكبير علي الحجار الحضور في أمسية حملت الجمهور إلى "شواطئ الحنين". يتميز الحجار بصوته الشجي وأدائه العاطفي الذي يلامس الوجدان، وقد قدم مجموعة من أغانيه الخالدة التي ارتبطت بذاكرة أجيال، بالإضافة إلى أغانٍ جديدة تحمل بصمته الفنية المتفردة. تجسد عروض الحجار جزءًا أساسيًا من رسالة المهرجان الهادفة إلى الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وإحياء الذكريات الفنية الجميلة مع تقديم الجديد والمبتكر.
لم تقتصر فعاليات المهرجان على الحفلات الغنائية فحسب، بل شملت أيضًا:
- مؤتمرًا موسيقيًا رفيع المستوى ناقش قضايا الموسيقى العربية وتحدياتها وآفاق تطورها، بمشاركة باحثين ومتخصصين من مختلف أنحاء العالم العربي.
- تكريم عدد من الرموز الفنية والموسيقية تقديرًا لإسهاماتهم الكبيرة في إثراء الساحة الفنية.
- ورش عمل متخصصة للشباب والمواهب الصاعدة، لضمان استمرارية الحفاظ على فنون الموسيقى العربية وتوريثها للأجيال القادمة.
السياق والأهمية الثقافية
يُعد مهرجان الموسيقى العربية حدثًا ثقافيًا محوريًا في المنطقة، فهو ليس مجرد تظاهرة فنية، بل هو مشروع قومي يهدف إلى صون الهوية الموسيقية العربية وتعزيز مكانتها عالميًا. إن تسمية الدورة الحالية باسم أم كلثوم لم تكن مجرد تكريم، بل كانت بمثابة تذكير بأهمية "الكلمة" و"اللحن" و"الصوت" في تشكيل الوجدان الثقافي العربي. ففي زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات الموسيقية العالمية، يأتي المهرجان ليؤكد على قيمة الجذور والأصالة، ويقدم نموذجًا للاندماج بين التراث الموسيقي العريق والذائقة الفنية المعاصرة.
كما يمثل المهرجان فرصة ذهبية لتعزيز السياحة الثقافية في مصر، حيث يستقطب جمهورًا واسعًا من داخل البلاد وخارجها، مما يسهم في تنشيط الحركة الثقافية والاقتصادية. ويقدم لونا ثقافيا متميزا للزوار، يمكنهم من خلاله التعرف على عمق الفن العربي وأصالته، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الفني والثقافي بين الدول العربية.
التنظيم والإشراف
حظيت الدورة 33 بإشراف دقيق وتنظيم محكم من قبل دار الأوبرا المصرية، التي عملت تحت توجيهات وزارة الثقافة. وتولى إدارة المهرجان ببراعة المايسترو تامر غنيم ونائبه المايسترو الدكتور محمد الموجي، بإشراف عام من أماني السعيد مستشار رئيس الأوبرا. هذه الكفاءات الإدارية والفنية لعبت دورًا حاسمًا في تحقيق الانسجام والتناغم بين جميع فقرات المهرجان، مما أفضى إلى تقديم تجربة فنية راقية وثرية للجمهور، وأكد على القدرة المصرية على تنظيم الفعاليات الثقافية الكبرى بمستوى احترافي عالمي.
في الختام، مثلت الدورة الثالثة والثلاثون لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية شهادة حية على استمرارية الفن الأصيل وقدرته على تجاوز الحواجز الزمنية، وتأكيدًا على أن الطرب العربي ما زال يمتلك سحره الخاص وقوته في لمس القلوب. ومع كل نغمة صدحت على مسارحه، وكل صوت ألهب حماس الحضور، استعاد المهرجان فعلاً "بريق العصر الذهبي للنغم"، مؤكدًا مكانته كمنارة ثقافية وفنية ساطعة في سماء الأمة العربية.





