الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في تجربة الزوار بالمتحف الكبير
خلال الأيام الماضية، برزت تصريحات من خبراء في تكنولوجيا المعلومات تشير إلى أن المتحف المصري الكبير على أعتاب نقلة نوعية في تجربة الزوار، وذلك بفضل تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. يؤكد هذا التوجه على رؤية الدولة المصرية للتحول الرقمي الشامل، خاصة في قطاعي السياحة والآثار الحيويين، بهدف تقديم تجربة ثقافية وتاريخية غامرة تتجاوز حدود المشاهدة التقليدية لتصل إلى مستويات عميقة من التفاعل المباشر.

يتمثل جوهر هذه الثورة في قدرة الذكاء الاصطناعي على تحويل الزيارة المتحفية من مجرد التجول ومشاهدة المعروضات إلى رحلة تفاعلية وشخصية. فبدلاً من الاستماع إلى أدلة صوتية موحدة أو قراءة الشروحات المكتوبة، سيتمكن الزوار من الانخراط في حوار مباشر مع التاريخ، وفهم القطع الأثرية بطرق جديدة ومبتكرة تتيحها التكنولوجيا الحديثة.
تعتبر هذه المبادرة جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأوسع للمتحف المصري الكبير، الذي صُمم ليكون ليس فقط مستودعًا للكنوز المصرية القديمة، بل أيضًا مركزًا عالميًا للثقافة والابتكار. منذ الإعلان عن افتتاحه، كان الطموح هو دمج أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لتعزيز القيمة التعليمية والترفيهية للمتحف، وجذب جمهور أوسع من مختلف الأجيال والخلفيات.
خلفية: المتحف المصري الكبير والتحول الرقمي
يُعد المتحف المصري الكبير (GEM) صرحًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا من نوعه، يقع بالقرب من أهرامات الجيزة. هو أكبر متحف للآثار في العالم مخصص لحضارة واحدة، ويضم كنوزًا لا تقدر بثمن من الحضارة المصرية القديمة، أبرزها المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك توت عنخ آمون. لطالما كانت رؤية المتحف تتجاوز مجرد العرض التقليدي، ساعية لتقديم تجربة تعليمية وترفيهية متكاملة تتناسب مع مكانة مصر التاريخية والطموحات المستقبلية.
تأتي خطوة تبني الذكاء الاصطناعي ضمن إطار أوسع لخطة الدولة المصرية للتحول الرقمي، والتي تهدف إلى تحديث وتطوير كافة القطاعات الحكومية والخدمية. في قطاعي السياحة والآثار، يُنظر إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي كوسيلة لزيادة جاذبية الوجهات المصرية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للسياح، وحماية وتوثيق التراث الثقافي بطرق أكثر فعالية وديمومة.
الذكاء الاصطناعي: أدوات لتفاعل أعمق
تتنوع التطبيقات التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدمها لتعزيز تجربة الزوار في المتحف المصري الكبير، ومن أبرزها:
- الأدلة التفاعلية الشخصية: يمكن لتطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تقدم أدلة صوتية أو نصية تتكيف مع اهتمامات الزائر وخلفيته المعرفية. فمثلاً، قد يتمكن الزائر من طرح أسئلة حول قطعة أثرية معينة والحصول على إجابات فورية ومفصلة، أو متابعة مسار رحلة مخصص يركز على مواضيع تهمه كالفن الفرعوني أو الحياة اليومية في مصر القديمة.
- الواقع المعزز والافتراضي (AR/VR): تسمح هذه التقنيات للزوار بالانغماس في عوالم افتراضية تحاكي الحياة في مصر القديمة، أو رؤية القطع الأثرية في سياقها الأصلي ثلاثي الأبعاد. يمكن للواقع المعزز أن يضيف طبقات من المعلومات المرئية إلى المعروضات الحقيقية عبر شاشات الهواتف الذكية أو النظارات الذكية، كإعادة بناء الألوان الأصلية لتمثال أو عرض تفاصيل دقيقة لا تُرى بالعين المجردة.
- تحليل سلوك الزوار وتحسين المسارات: باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط حركة الزوار ومدة إقامتهم أمام كل قطعة، يمكن للمتحف تحسين تصميم مسارات العرض، وتحديد المناطق الأكثر شعبية أو الأقل زيارة، مما يساعد على توزيع الزوار بفعالية وتجنب الازدحام وتحسين تجربة الجميع.
- الروبوتات والمساعدين الافتراضيين: يمكن لروبوتات أو مساعدين افتراضيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي استقبال الزوار، وتقديم معلومات أساسية، والإجابة على الاستفسارات المتكررة بلغات متعددة، مما يقلل من العبء على الموظفين ويوفر خدمة سريعة وفعالة.
- تعزيز إمكانية الوصول: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا في جعل المتحف أكثر شمولاً، من خلال توفير ترجمة فورية للوحات العرض للأشخاص ضعاف السمع، أو أدلة صوتية وصفية للمكفوفين، أو حتى تطبيقات مساعدة للمستخدمين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
التطورات الأخيرة والتطلعات المستقبلية
شهدت الأشهر الأخيرة تكثيفًا للجهود لدمج التقنيات الرقمية في المتحف المصري الكبير، استعدادًا لافتتاحه الكامل. تمثلت هذه الجهود في تطوير بنية تحتية رقمية قوية، وتدريب الكوادر البشرية على التعامل مع الأنظمة الجديدة، بالإضافة إلى الشراكة مع شركات تكنولوجية متخصصة. على الصعيد العالمي، تتجه كبرى المتاحف في العالم، مثل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر، نحو تبني حلول مشابهة، لكن المتحف المصري الكبير يطمح ليكون في طليعة هذه الثورة الرقمية بتطبيق واسع النطاق.
في حين أن هذه التقنيات تقدم إمكانيات هائلة، إلا أن هناك تحديات يجب مراعاتها، مثل ضمان خصوصية بيانات الزوار، وتكاليف التطوير والصيانة المستمرة، والحاجة إلى تحديث الأنظمة بانتظام. ومع ذلك، فإن الفوائد المحتملة من حيث تعزيز المشاركة الثقافية والتعليمية والتراثية تفوق بكثير هذه التحديات، مما يمهد لمستقبل مثير للمتاحف.
يؤكد الخبراء، ومنهم الدكتور عصام متولي، خبير تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، أن هذه الخطوات ليست مجرد ترف تكنولوجي، بل هي ضرورة حتمية في عصر يتطلب التفاعل المستمر والمحتوى المخصص. فالمتاحف لم تعد مجرد أماكن لعرض الماضي، بل هي مساحات حيوية للتفاعل مع الثقافة والتاريخ بطرق تلامس الروح والعقل معًا.
بهذا التوجه، لا يسعى المتحف المصري الكبير فقط إلى جذب عدد أكبر من الزوار، بل يسعى أيضًا إلى خلق جيل جديد من عشاق التاريخ والآثار، الذين سيختبرون كنوز مصر القديمة بطرق لم تكن ممكنة من قبل، مما يعزز مكانة مصر كمركز رائد للابتكار الثقافي والتكنولوجي.


