السعودية: الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً بأمر ملكي.. نظرة شاملة على مسيرته ودوره الجديد
في تطور بارز ومؤثر في المشهد الديني السعودي، صدر مؤخراً يوم الأربعاء أمر ملكي عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، يقضي بتعيين الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية. لم يقتصر الأمر على هذا المنصب الرفيع، بل شمل أيضاً تكليفه برئاسة هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي جميعها مناصب ذات ثقل كبير في هيكلة الدولة الدينية والإفتائية، مع منحه مرتبة وزير. هذا التعيين يعكس المكانة المرموقة التي يحظى بها الشيخ الفوزان في الأوساط العلمية والدينية داخل المملكة وخارجها، ويضع على عاتقه مسؤوليات جسيمة في توجيه الفتوى والبحث العلمي الشرعي.

من هو الشيخ صالح الفوزان؟
يُعد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان أحد أبرز علماء الشريعة في المملكة العربية السعودية في العصر الحديث. وُلد عام 1935م (1354هـ) في الشماسية بمنطقة القصيم، ونشأ في بيئة علمية محافظة تلقى فيها علومه الأولية. بدأ مسيرته التعليمية بحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة الفيصلية ببريدة. تميز منذ صغره بشغفه بطلب العلم وحرصه على مجالس العلماء.
واصل الشيخ الفوزان تحصيله العلمي في مدينة الرياض، حيث التحق بكلية الشريعة بالرياض وتخرج منها عام 1960م (1380هـ). بعد ذلك، التحق بالمعهد العالي للقضاء وحصل على درجة الماجستير في الفقه، ثم نال درجة الدكتوراه في التخصص ذاته. هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة أثرت في تكوينه الفقهي والأصولي، وجعلت منه مرجعاً في كثير من المسائل الشرعية.
على مدار عقود، تقلد الشيخ صالح الفوزان عدة مناصب علمية وإدارية هامة. قبل تعيينه مفتياً عاماً، كان عضواً فاعلاً في هيئة كبار العلماء، وهي أعلى هيئة دينية في المملكة، وعضواً في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. كما عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث قام بتدريس العديد من المقررات الشرعية وتخريج أجيال من طلاب العلم الشرعي. يُعرف الشيخ بمؤلفاته الغزيرة في مختلف فروع الشريعة الإسلامية، والتي تُعد مرجعاً مهماً للباحثين والطلاب، وبخطبه ومحاضراته التي تلقى صدى واسعاً.
دور المفتي العام للمملكة
يُعتبر منصب المفتي العام للمملكة العربية السعودية أرفع منصب ديني في الدولة، ويحمل في طياته مسؤوليات ضخمة وتأثيراً كبيراً على الحياة الدينية والاجتماعية في البلاد. تقليدياً، يتولى المفتي العام رئاسة هيئة كبار العلماء، وهي الجهة التي تضم كبار فقهاء المملكة وتُعنى بالاجتهاد في النوازل المستجدة وتقديم الرأي الشرعي في القضايا العامة. كما يرأس الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي الجهة المسؤولة عن إصدار الفتاوى الرسمية وتوجيه المسلمين في أمور دينهم.
تشمل صلاحيات المفتي العام ومهامه ما يلي:
- الإشراف على الفتوى الرسمية: يتولى المفتي العام مسؤولية الإشراف على إصدار الفتاوى في المملكة، والتأكد من توافقها مع المنهج الشرعي الذي تتبعه الدولة، وهو منهج يقوم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
- قيادة هيئة كبار العلماء: بصفته رئيساً للهيئة، يقود المفتي العام النقاشات والمدارسات الفقهية بين أعضائها، ويوجههم نحو استصدار القرارات والتوصيات الشرعية التي تخدم المصلحة العامة للمسلمين.
- تقديم المشورة الشرعية للملك: يُعد المفتي العام المستشار الأول للملك في المسائل الدينية، ويقدم له الرأي الشرعي في القضايا الكبرى التي تمس الشأن العام.
- التمثيل الديني للمملكة: يمثل المفتي العام المملكة في المحافل والمؤتمرات الدينية الدولية، ويعكس الصورة الشرعية والفقهية للمملكة على المستوى العالمي.
- التوجيه والإرشاد: يقوم المفتي العام بدور محوري في توجيه المجتمع وإرشاده في أمور الدين والدنيا، عبر الخطب والمحاضرات والمقالات، وتوضيح الأحكام الشرعية للمسلمين.
تُمنح مرتبة وزير للمفتي العام، مما يؤكد على أهمية هذا المنصب ومكانته في هرم الدولة، ويُبرز أن دوره يتجاوز الجانب الديني المحض ليشمل جانباً إدارياً وتنظيمياً واسعاً.
الأهمية والتداعيات
لا شك أن تعيين الشيخ صالح الفوزان في هذا المنصب البارز سيترتب عليه تداعيات مهمة على الصعيدين الديني والاجتماعي في المملكة العربية السعودية. يُعرف الشيخ الفوزان بمنهجه السلفي الصارم وتمسكه الشديد بالنصوص الشرعية، وبمواقفه الواضحة تجاه قضايا العصر. هذا التوجه من المتوقع أن يلقي بظلاله على طبيعة الفتاوى الصادرة والتوجهات العامة لهيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
من المرجح أن يُسهم هذا التعيين في ترسيخ الخطاب الديني المحافظ الذي يشدد على تطبيق الشريعة الإسلامية بصرامة، ومقاومة التجديد الذي قد يعتبره الشيخ مخالفاً للأصول الشرعية. قد يؤثر ذلك على قضايا مجتمعية حساسة مثل الترفيه، ووضع المرأة، والتعليم، والعلاقات الاجتماعية، حيث يُتوقع أن تُصدر الفتاوى والتوجيهات بما يتماشى مع رؤاه ومدرسته الفقهية.
علاوة على ذلك، فإن مكانة الشيخ الفوزان العلمية وخبرته الطويلة في التدريس والإفتاء، ستعزز من ثقل قرارات المفتي العام وتأثيرها في الأوساط الدينية والشعبية. يُنظر إليه على أنه رمز للثبات على المبادئ الشرعية، مما قد يُكسبه قبولاً واسعاً لدى شريحة كبيرة من المجتمع السعودي الذي يميل إلى التمسك بالقيم الدينية التقليدية. هذا التعيين يؤكد على استمرارية الدور المحوري للمؤسسة الدينية في صياغة الهوية السعودية وتوجيه المجتمع نحو الالتزام بالتعاليم الإسلامية وفق رؤية الدولة.





