الفنان خالد مزنّر لـ"النهار": الموسيقى أداة لشفاء جراح انفجار بيروت 4 آب
في حوار صحفي حديث نشرته جريدة "النهار" اللبنانية، قدم الفنان والمؤلف الموسيقي اللبناني البارز، خالد مزنّر، رؤيته العميقة حول الدور الحيوي للموسيقى في التغلب على الصدمات الجماعية، وبالأخص تلك التي خلفها انفجار مرفأ بيروت المأساوي في 4 آب 2020. يرى مزنّر أن الفن، والموسيقى تحديدًا، لا يقتصر دوره على الترفيه أو الجماليات، بل يتعداه ليكون وسيلة قوية للشفاء والتعبير عن المشاعر المعقدة التي يصعب ترجمتها بالكلمات.

خلفية انفجار مرفأ بيروت وتداعياته
يُعد انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس عام 2020 واحدًا من أشد الكوارث غير النووية فتكًا في التاريخ الحديث. أسفر الانفجار عن سقوط أكثر من 200 قتيل، وإصابة الآلاف بجروح متفاوتة، وتشريد مئات الآلاف من منازلهم، إضافة إلى دمار هائل طال أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية. لم يقتصر تأثير الكارثة على الخسائر المادية والبشرية فحسب، بل امتد ليترك ندوبًا نفسية عميقة في الذاكرة الجمعية للمجتمع اللبناني. ومنذ ذلك الحين، يسعى العديد من الأفراد والمجموعات لإيجاد سبل للتعافي والتعبير عن الألم والغضب والأمل في آن واحد.
رؤية خالد مزنّر الفنية ودوره
يُعرف خالد مزنّر بكونه فنانًا متعدد المواهب، حائزًا على جوائز عالمية عن أعماله الموسيقية التصويرية وألبوماته التي تتسم بالعمق الفني والإنساني. في حواره مع "النهار"، أوضح مزنّر كيف يمكن للموسيقى أن تكون ملاذًا آمنًا للأرواح الجريحة ومساحة لمعالجة الصدمات. فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الانفجار، ما زالت الحاجة ملحة لأشكال تعبيرية تساعد الأفراد على فهم مشاعرهم ومشاركتها، وهو ما توفره الموسيقى بقدرتها الفريدة على لمس الوجدان وتجاوز حواجز اللغة.
عملية تحويل الألم إلى إبداع موسيقي
يشير مزنّر إلى أن عملية تحويل الألم إلى فن ليست مجرد تحويل سلبي للمشاعر، بل هي عملية بناءة تتطلب شجاعة وتفانيًا. بالنسبة له، تصبح كل نوتة موسيقية، وكل لحن، بمثابة شهادة حية على ما حدث، وصرخة أمل في وجه اليأس. يمكن للموسيقى أن تعمل على مستويات متعددة:
- التعبير العاطفي: توفر وسيلة لإخراج مشاعر الحزن، الغضب، الخوف، أو حتى الأمل بطريقة منظمة وبناءة.
- التضامن الجماعي: تخلق أعمال فنية مستوحاة من الانفجار شعورًا بالانتماء والتضامن بين المستمعين الذين يشاركون نفس التجربة المؤلمة.
- التوثيق والذاكرة: تساهم الموسيقى في حفظ ذاكرة الحدث وتخليد ذكرى الضحايا، مما يضمن عدم نسيان الفاجعة والدروس المستفادة منها.
- التحفيز على الصمود: يمكن للألحان القوية والرسائل الإيجابية في بعض المقطوعات أن تلهم الأفراد والمجتمعات على الصمود وإعادة البناء.
شدد مزنّر في حديثه على أن الموسيقى لا تقدم حلولًا مباشرة للمشكلات المعقدة التي تلت الانفجار، ولكنها تفتح مسارات للتفكير والتأمل، وتلهم البحث عن معانٍ أعمق في خضم الفوضى والمعاناة. إنها تذكر بأن الجمال يمكن أن ينبثق حتى من أكثر الظروف قسوة.
أهمية الفن في التعافي المجتمعي
تتجاوز رؤية خالد مزنّر الفردية لتشمل الدور الأوسع للفن في التعافي المجتمعي. ففي المجتمعات التي تمر بصدمات كبرى، يصبح الفن أداة لا غنى عنها لإعادة بناء النسيج الاجتماعي والثقافي. إنه يتيح للأفراد والجماعات معالجة تجاربهم المشتركة بطرق إبداعية، مما يعزز من مرونتهم وقدرتهم على التكيف. كما أنه يساهم في إبقاء الحوار مفتوحًا حول القضايا الأساسية المتعلقة بالعدالة والمساءلة التي ما زالت عالقة منذ وقوع الانفجار.
التداعيات المستمرة وأمل المستقبل
بينما تستمر تداعيات انفجار مرفأ بيروت في إلقاء بظلالها على لبنان، فإن شهادات فنانين مثل خالد مزنّر تؤكد على الدور المحوري للإبداع في مواجهة التحديات. إن تحويل الألم إلى موسيقى ليس مجرد عمل فني، بل هو فعل مقاومة، يجسد الإصرار على الحياة والأمل في مستقبل أفضل، حتى وإن كان الطريق نحو التعافي طويلًا وشاقًا. رسالة مزنّر عبر "النهار" هي تذكير بأن الفن يبقى منارة تضيء دروب الظلام، مقدمًا العزاء والإلهام لمن يبحثون عن الشفاء والسلام.



