الكرملين يرفض التعليق على مطالب تسليم بشار الأسد
أعلن الكرملين، في تصريحات صدرت مؤخراً، امتناعه عن التعليق على المطالبات الصادرة عن السلطات الجديدة في سوريا بتسليم الرئيس السابق بشار الأسد لمحاكمته. وجاء هذا الموقف الرسمي على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية والمحلية لتحديد مصير الأسد بعد تأكيد وجوده في موسكو.

خلفية التطورات والموقف الروسي
يأتي هذا التطور في أعقاب الانهيار السريع لنظام الحكم في دمشق في أوائل ديسمبر 2024، ومغادرة بشار الأسد البلاد. وقد أكدت الحكومة الروسية في وقت سابق أن الأسد وعائلته موجودون في موسكو، حيث تم منحهم اللجوء "لأسباب إنسانية"، وفقاً لتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وأوضحت موسكو أن هذا القرار اتُخذ لتسهيل عملية انتقال سياسي سلمي في سوريا وتجنب المزيد من إراقة الدماء.
ورغم تأكيدها على استضافة الأسد، تلتزم روسيا الصمت التام حيال مسألة تسليمه. ففي إيجازه الصحفي، اكتفى بيسكوف بالقول "ليس لدي ما أقوله حول هذا الموضوع" عند سؤاله بشكل متكرر عن موقف موسكو من طلبات التسليم، وهو ما يعكس حساسية القضية بالنسبة لروسيا التي كانت الداعم العسكري والسياسي الأبرز لنظام الأسد طوال سنوات الحرب الأهلية السورية.
مطالب المحاسبة والسلطة الجديدة في سوريا
من جانبها، شددت السلطات الانتقالية في سوريا على ضرورة محاسبة الأسد ورموز نظامه على ما تصفه بـ "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتُكبت خلال الصراع الذي امتد لأكثر من عقد. وتعتبر الحكومة الجديدة أن محاكمة الأسد محاكمة عادلة هي مطلب أساسي للشعب السوري وجزء لا يتجزأ من تحقيق العدالة الانتقالية وبناء مستقبل جديد للبلاد. وتستند هذه المطالب إلى رغبة واسعة في طي صفحة الماضي وبدء مرحلة من المصالحة الوطنية المبنية على المساءلة.
الأبعاد الاستراتيجية والدولية لموقف موسكو
ينظر المحللون إلى الموقف الروسي الحالي على أنه محاولة لتحقيق توازن دقيق بين اعتبارات متعددة. فمن جهة، قد يؤدي تسليم الأسد إلى تقويض مصداقية روسيا كحليف يمكن الوثوق به، مما قد يثير قلق شركاء آخرين لموسكو. ومن جهة أخرى، تحتاج روسيا إلى بناء علاقات عمل براغماتية مع القوى الجديدة المسيطرة على الأرض في سوريا لضمان حماية مصالحها الاستراتيجية طويلة الأمد.
وتشمل هذه المصالح الحيوية ما يلي:
- الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، لا سيما في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية.
- ضمان الاستقرار في سوريا ومنع تحولها إلى بؤرة للفوضى قد تهدد أمن المنطقة وروسيا نفسها.
- لعب دور محوري في الترتيبات السياسية والأمنية المستقبلية، وترسيخ مكانتها كقوة فاعلة رئيسية في الشرق الأوسط.
إن رفض الكرملين التعليق في الوقت الحالي يمنحه مساحة للمناورة وتقييم المشهد المتغير. ومن المرجح أن تكون أي قرارات مستقبلية بشأن مصير الأسد مرتبطة بشكل وثيق بالمفاوضات الجارية مع الإدارة الجديدة في دمشق وبمدى قدرة هذه الإدارة على ضمان المصالح الروسية. وفي غضون ذلك، يظل مصير بشار الأسد نقطة محورية في مستقبل سوريا وعلاقاتها الدولية.





