الكشف عن كواليس عملية اختيار الفائز بجائزة نوبل في الأدب: نظرة متعمقة من لجنة التحكيم
تُعد جائزة نوبل في الأدب واحدة من أبرز وأعرق الجوائز الأدبية على مستوى العالم، حيث تمثل تتويجًا للإنجازات الخالدة في ميدان الكتابة. يترقب الأوساط الثقافية والأدبية كل عام الإعلان عن الفائز بهذه الجائزة المرموقة التي تضفي على الفائز بها مكانة عالمية. ولكن بعيدًا عن الأضواء والاحتفالات، تدور عملية معقدة وسرية للغاية لاختيار هذا الفائز، وهي عملية تثير الفضول حول آلياتها ومعاييرها الداخلية. فهم هذه الكواليس يقدم نظرة أعمق على القيمة الحقيقية للجائزة وتحديات الحفاظ على مصداقيتها.

خلفية جائزة نوبل في الأدب
تأسست جائزة نوبل بموجب وصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل عام 1895، وتُمنح سنويًا لمن "أنتج في مجال الأدب العمل الأكثر تميزًا في اتجاه مثالي". تُوكل مهمة اختيار الفائز إلى الأكاديمية السويدية، وهي هيئة مستقلة تضم 18 عضوًا من كبار الشخصيات الأدبية والعلمية والثقافية في السويد. على مر العقود، كرّمت الجائزة كبار الأدباء من مختلف أنحاء العالم، مما رسخ مكانتها كرمز للتميز الأدبي العالمي. إن تاريخ الجائزة الغني بالفائزين البارزين، مثل غابرييل غارسيا ماركيز وتوني موريسون وألبير كامو، يعكس التنوع والعمق في الأعمال الأدبية التي تم تقديرها.
الآلية السرية لاختيار الفائز
تبدأ عملية اختيار الفائز بجائزة نوبل في الأدب في سبتمبر من كل عام، وهي عملية تستغرق عامًا كاملًا وتُحاط بسرية تامة لضمان النزاهة والحياد. يمكن تقسيم هذه العملية إلى عدة مراحل رئيسية:
- الترشيحات الأولية: في سبتمبر، تُرسل دعوات الترشيح إلى آلاف الأشخاص حول العالم. يشمل هؤلاء أساتذة الأدب واللغويات في الجامعات الكبرى، وأعضاء الأكاديميات الأدبية المماثلة للأكاديمية السويدية، ورؤساء اتحادات الكتّاب في مختلف البلدان، وأخيرًا، الحائزين السابقين على جائزة نوبل في الأدب. يجب أن تصل الترشيحات بحلول 31 يناير من العام التالي.
- اللائحة الأولية (مارس): تتولى لجنة نوبل للأدب، وهي لجنة داخل الأكاديمية السويدية مكونة من أربعة أو خمسة أعضاء، فحص جميع الترشيحات التي قد يصل عددها إلى مئتين أو ثلاثمئة اسم. بعد مراجعة دقيقة، تعد اللجنة قائمة أولية تضم حوالي 15 إلى 20 اسمًا.
- اللائحة المختصرة (أبريل): تقوم اللجنة بتقليص القائمة الأولية إلى خمسة مرشحين نهائيين، يعتبرون الأبرز والأكثر استحقاقًا للجائزة في تلك المرحلة. هذه الأسماء هي التي ستخضع للدراسة الأكثر عمقًا.
- دراسة الأعمال (مايو - أغسطس): يخصص أعضاء الأكاديمية السويدية أشهر الصيف لقراءة ودراسة أعمال المرشحين الخمسة بعمق، باللغات الأصلية قدر الإمكان أو بترجمات موثوقة. هذه المرحلة حاسمة وتتطلب جهدًا كبيرًا وتفرغًا لتقييم الجودة الأدبية والتأثير الثقافي لكل عمل.
- المداولات النهائية (سبتمبر - أكتوبر): تعود الأكاديمية للاجتماع في سبتمبر لمناقشة المرشحين الخمسة. تتسم هذه المناقشات بالحدة والعمق، حيث يتبادل الأعضاء الآراء ويحللون الأعمال من جوانب متعددة. يتم التصويت في بداية شهر أكتوبر، ويتطلب فوز المرشح الحصول على أكثر من نصف الأصوات. في حال عدم تحقيق ذلك في الجولة الأولى، تُجرى جولات تصويت إضافية.
- الإعلان (أكتوبر): بمجرد اختيار الفائز، يتم إخطاره هاتفيًا قبل وقت قصير من الإعلان الرسمي للعالم. يُحظر الكشف عن أسماء المرشحين أو تفاصيل المداولات لمدة خمسين عامًا، مما يضمن سرية العملية ويمنع الضغوط الخارجية.
معايير الاختيار وتحدياته
رغم أن وصية نوبل تتحدث عن "أكثر عمل متميز في اتجاه مثالي"، فإن تفسير هذه العبارة كان دائمًا موضوع نقاش وتطور داخل الأكاديمية. لا توجد معايير محددة وصارمة تنص عليها الأكاديمية، بل تعتمد على تقدير أعضائها للتميز الأدبي الشامل، والذي قد يشمل الابتكار في السرد، العمق الفلسفي، التأثير الثقافي، والأسلوب اللغوي. ومع ذلك، واجهت الجائزة على مر السنين انتقادات تتعلق بـ:
- التحيز الجغرافي واللغوي: حيث يرى البعض أن هناك ميلًا للمنح للكتاب الأوروبيين أو الناطقين بالإنجليزية على حساب أصوات أدبية مهمة من قارات أخرى ولغات مختلفة.
- تأثير الآراء الشخصية: يرى النقاد أن ذوق أعضاء الأكاديمية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الاختيار، مما قد يؤدي إلى إغفال بعض الكتاب المستحقين.
- الأزمات الداخلية: شهدت الأكاديمية السويدية في الأعوام الأخيرة، وتحديداً في عام 2018، أزمة داخلية كبيرة أثرت على سمعتها وأدت إلى تأجيل منح الجائزة في ذلك العام. هذه الأزمة كشفت عن تحديات تتعلق بالحوكمة والشفافية داخل المؤسسة.
أهمية السرية وتأثيرها
تعتبر السرية المطلقة التي تحيط بعملية الاختيار حجر الزاوية في مصداقية الجائزة. تهدف هذه السرية، التي تمتد لخمسة عقود، إلى حماية الأعضاء من الضغوط الخارجية، سواء كانت سياسية أو تجارية أو شعبية، وتمكينهم من اتخاذ قرارات مستقلة بناءً على الجدارة الأدبية فقط. هذا الغموض، وإن كان يثير الفضول، فإنه يحافظ على هالة الجائزة ويضمن أن تكون عملية الاختيار نزيهة قدر الإمكان بعيدًا عن التأثيرات الوقتية أو الحملات الإعلامية.
في الختام، إن كواليس عملية اختيار الفائز بجائزة نوبل في الأدب تكشف عن جهد مضني وتفانٍ كبير من قبل أعضاء الأكاديمية السويدية لضمان تكريم الأعمال الأدبية الأكثر تميزًا. ورغم التحديات والانتقادات، تظل هذه الجائزة منارة للأدب العالمي، وشاهدًا على قوة الكلمة وتأثيرها الخالد.





