المايسترو هاني فرحات يوضح أسباب تقبيله يد الفنان محمد عبده ويرد على المنتقدين
في الأيام القليلة الماضية، تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الأخبار الفنية العربية حادثة أثارت جدلاً واسعاً، تمثلت في قيام المايسترو المصري هاني فرحات بتقبيل يد الفنان السعودي الكبير محمد عبده. جاء ذلك على هامش إحدى الحفلات الفنية الضخمة التي أحياها "فنان العرب" في المملكة العربية السعودية، حيث كان فرحات قائداً للفرقة الموسيقية. لم يقتصر الجدل على لفتة تقبيل اليد فحسب، بل شمل أيضاً ظهور المايسترو فرحات بالزي السعودي التقليدي (الثوب والشماغ). وقد اضطر فرحات للخروج بتصريحات علنية لتوضيح موقفه والرد على سيول الانتقادات التي وجهت إليه.

الخلفية والسياق الفني للحادثة
يُعد محمد عبده، المعروف بلقب "فنان العرب"، قامة فنية راسخة في المشهد الغنائي العربي، ويحظى بتقدير واحترام واسعين كأحد أبرز رواد الفن الخليجي والعربي عموماً. أما هاني فرحات، فهو مايسترو مصري متميز اكتسب شهرة واسعة في السنوات الأخيرة لقيادته العديد من الفرق الموسيقية الكبرى لكبار المطربين العرب في حفلات ومهرجانات ضخمة، خاصة في المملكة العربية السعودية التي تشهد حالياً نهضة فنية وثقافية غير مسبوقة ضمن فعاليات مثل "موسم الرياض". العلاقة الفنية بين فرحات ومحمد عبده ليست جديدة، فقد تعاونا في العديد من الحفلات الناجحة، ما يعكس الثقة المتبادلة والتقدير الفني العميق.
وفقاً لتصريحات المايسترو هاني فرحات، جاءت لفتة تقبيل اليد تعبيراً عن التقدير الكبير والاحترام العميق الذي يكنه لفنان بحجم محمد عبده وتاريخه الفني الطويل والحافل بالإنجازات. وأكد فرحات أن هذه اللفتة كانت عفوية وغير مخطط لها، نابعة من مشاعر الإعجاب والامتنان لوقوفه بجانب قامة فنية بهذا الحجم. لم تكن مجرد إيماءة شخصية، بل هي رمز لمكانة محمد عبده كأستاذ ومعلم في عالم الفن، وهي عادة منتشرة في الثقافة العربية تجاه الكبار والمشايخ والفنانين ذوي القامات المرموقة.
أما بخصوص ارتدائه الزي السعودي، أوضح فرحات أن هذا كان بمثابة بادرة ود وتقدير للمملكة العربية السعودية وشعبها المضياف، وللفعاليات الفنية الكبرى التي تستضيفها. وأشار إلى أن هذا التقليد أصبح شائعاً بين الفنانين العرب المشاركين في الحفلات السعودية، كشكل من أشكال الاندماج والاحتفاء بالثقافة المحلية، وليس له أي دلالة تتجاوز ذلك السياق.
ردود الفعل والانتقادات
على الرغم من التبريرات الفنية والثقافية، أثارت الحادثة موجة من ردود الفعل المتباينة على منصات التواصل الاجتماعي، وانقسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض. تركزت الانتقادات بشكل أساسي على عدة محاور:
- دلالة تقبيل اليد: اعتبر البعض أن تقبيل يد فنان آخر، بغض النظر عن قامته، قد يحمل دلالة على الخضوع أو المبالغة في التبجيل، وهو أمر قد لا يتناسب مع مكانة المايسترو هاني فرحات كفنان مستقل وذو قيمة.
- النزعة الوطنية: رأى بعض المنتقدين، خاصة من الجمهور المصري، أن ارتداء المايسترو المصري للزي السعودي وتقبيله يد فنان سعودي، قد يفسر كنوع من التنازل عن الهوية المصرية أو مجاملة زائدة على حساب الاعتزاز بالوطنية.
- التعامل مع رموز الفن: تساءل آخرون عن طبيعة العلاقة المثلى بين الفنانين، وما إذا كانت مثل هذه اللفتات تليق بالمشهد الفني الحديث الذي يدعو إلى المساواة والزمالة بين الفنانين بغض النظر عن أقدميتهم.
في المقابل، دافع كثيرون عن هاني فرحات، مؤكدين أن لفتته تعبر عن قيم الاحترام والتقدير الفني، وأنها بعيدة كل البعد عن التفسيرات السلبية التي حاول البعض إضفاءها عليها. وأشاروا إلى أن التقاليد العربية غنية بلفتات الاحترام، وأن الفن بطبيعته يتجاوز الحدود الوطنية.
المايسترو فرحات يوضح موقفه: الفن يوحّد لا يفرق
في استجابة لتلك الانتقادات، خرج هاني فرحات بتصريحات واضحة وحاسمة. أكد فيها أن ما قام به هو تعبير صادق عن الاحترام والتقدير لقيمة فنية كبيرة بحجم محمد عبده، الذي يعتبر أستاذاً في عالم الفن. وشدد على أن الفن رسالة سامية تجمع الشعوب وتوحدها، ولا يمكن أن يكون سبباً للفرقة أو التمييز.
وأوضح فرحات أن "فنان العرب" محمد عبده ليس مجرد مطرب، بل هو أيقونة فنية ساهمت في تشكيل وجدان أجيال، وأن احترام مثل هذه القامات هو واجب على كل فنان شاب. كما أعرب عن استغرابه من تحويل لفتة بسيطة تعبر عن التقدير إلى قضية خلافية تثير النعرات الوطنية، مؤكداً أن الفن ليس له جنسية، وأن الفنان الحقيقي هو من يسعى لإيصال رسالة الجمال والسلام لكل الناس.
السياق الأوسع والأهمية
تلقي هذه الحادثة الضوء على عدة جوانب مهمة في المشهد الفني والثقافي العربي المعاصر. أولاً، تبرز دور وسائل التواصل الاجتماعي كساحة رئيسية للنقاش العام، حيث يمكن لأي لفتة عفوية أن تتحول إلى قضية رأي عام خلال ساعات. ثانياً، تؤكد على حساسية العلاقات الثقافية والفنية بين الدول العربية، وكيف يمكن لتصرف فردي أن يفسر في سياقات أوسع تتعلق بالهوية الوطنية والتقدير المتبادل. ثالثاً، تعيد النقاش حول طبيعة "الاحترام الفني" وحدوده في زمن يتسم بالتغيرات السريعة في الأعراف الاجتماعية والفنية.
تُظهر الواقعة أيضاً عمق العلاقات الفنية المصرية السعودية، حيث تظل مصر مصدراً رئيسياً للمواهب الموسيقية، وتعد السعودية وجهة حاضنة للعديد من الفعاليات الفنية الكبرى. إن مثل هذه الأحداث، وإن أثارت بعض الجدل، إلا أنها تساهم في إثراء الحوار الثقافي وتؤكد على ضرورة فهم السياقات المختلفة لتعبيرات الاحترام والتقدير في الفضاء الفني العربي.





