المخرج كريم الشناوي: تعدد هيئات الرقابة خطر يهدد الفن وحرية الإبداع ركيزة الأعمال القيمة
في تصريحات أثارت نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الفنية والثقافية، حذر المخرج المصري البارز كريم الشناوي من تداعيات تعدد لجان وهيئات الرقابة على مستقبل صناعة الفن وحرية الإبداع في المنطقة. جاءت هذه التصريحات، التي نُشرت مطلع هذا الأسبوع، لتعيد إلى الواجهة ملف الرقابة الفنية الذي طالما شغل بال المبدعين والمنتجين على حد سواء، مؤكداً أن هذه الكثرة في الجهات الرقابية قد تحولت من آلية حماية إلى عبء يهدد جوهر العمل الفني.

أشار الشناوي إلى أن الهدف الأصلي للرقابة، وهو ضمان عدم تجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالقيم المجتمعية أو الأمن القومي، بات يتلاشى أمام تداخل الصلاحيات وازدواجية المعايير. ويرى العديد من المعنيين بالمجال الفني أن هذا الوضع لا يعيق فقط سير العمليات الإنتاجية، بل يضع قيوداً غير ضرورية على الفضاء الإبداعي الذي يعتبر شريان الحياة لأي صناعة فنية طموحة تسعى للتطور والتميز.
خلفية تاريخية لتحديات الرقابة الفنية
لم تكن قضية الرقابة الفنية وليدة اليوم، بل هي جزء من تاريخ طويل للمشهد الثقافي في العديد من الدول، حيث ظهرت الهيئات الرقابية بهدف تنظيم المحتوى الفني وتوجيهه بما يتناسب مع المعايير المجتمعية والسياسية السائدة. ومع مرور الوقت، تطورت هذه الآليات، لكنها غالباً ما واجهت انتقادات بشأن تأثيرها على حرية التعبير الفني. في السنوات الأخيرة، ومع تنامي صناعات السينما والتلفزيون والمسرح، وتوسع نطاق المنصات الرقمية، أصبحت قضايا الرقابة أكثر تعقيداً، خاصة مع تزايد عدد الجهات التي قد يكون لها رأي أو سلطة في الموافقة على الأعمال الفنية أو منعها.
تقليدياً، تهدف الرقابة إلى تحقيق عدة أهداف منها:
- حماية القيم والأخلاق العامة.
- الحفاظ على النظام العام والأمن القومي.
- منع الإساءة للأديان أو الرموز الوطنية.
- تصنيف الأعمال حسب الفئات العمرية.
إلا أن الخوف الذي عبر عنه الشناوي وعدد من زملائه يكمن في تحول هذه الأهداف النبيلة إلى حواجز بيروقراطية وإبداعية نتيجة تشتت المسؤوليات وتضارب الرؤى بين لجان متعددة تفتقر أحياناً إلى التنسيق أو الرؤية الموحدة.
وجهة نظر المخرج كريم الشناوي وتداعياتها
يركز المخرج كريم الشناوي في انتقاداته على أن التعددية الرقابية تخلق حالة من عدم اليقين لدى المبدعين والمنتجين. فبدلاً من التعامل مع جهة واحدة ذات صلاحيات واضحة ومحددة، يجد صانعو الأفلام أنفسهم مضطرين للحصول على موافقات من أكثر من هيئة، لكل منها لوائحها ومعاييرها الخاصة. هذا الوضع يؤدي إلى:
- تأخير الإنتاج: تستغرق مراجعة الأعمال وقتاً أطول، مما يزيد من التكاليف ويؤثر على الجدول الزمني للمشاريع.
- زيادة الأعباء المالية: تتكبد شركات الإنتاج نفقات إضافية نتيجة التعديلات المتكررة أو الحاجة لإعادة التصوير.
- إحباط المبدعين: قد يضطر المخرجون والكتاب إلى التنازل عن رؤاهم الفنية الأصلية لتمرير أعمالهم، مما يؤثر سلباً على جودتها وعمقها.
- الرقابة الذاتية: خوفاً من الرفض أو التعديل، قد يميل المبدعون إلى فرض رقابة ذاتية على أعمالهم، مما ينتج عنه محتوى أقل جرأة وإبداعاً.
وأشار الشناوي إلى أن هذا الجو لا يشجع على إنتاج الأعمال الفنية التي تتناول قضايا مجتمعية حساسة أو تقدم رؤى فنية جديدة، وهي الأعمال التي غالباً ما تكون الأكثر تأثيراً وقيمة ثقافية.
حرية الإبداع كقاطرة للتميز الفني
في مقابل التحذير من مخاطر تعدد الرقابة، أكد كريم الشناوي على أن حرية الإبداع هي المحرك الأساسي لإنتاج أعمال فنية مهمة وخالدة. فالتاريخ يشهد على أن أهم الإنجازات الفنية في السينما والدراما والمسرح كانت نتاج بيئة تسمح بالتجريب والمغامرة الفنية واستكشاف أبعاد جديدة للتعبير. عندما يتوفر المناخ المناسب لحرية الفكر، يتمكن الفنان من طرح تساؤلات جوهرية حول الواقع، وتفكيك القضايا المعقدة، وتقديم وجهات نظر متنوعة تثري الوعي الجمعي.
المخرجون والكتاب الذين أتيحت لهم مساحة كافية للتعبير عن أفكارهم دون قيود مفرطة، تمكنوا من إنتاج أعمال لم تحصد الجوائز العالمية فحسب، بل شكلت أيضاً علامات فارقة في تاريخ الفن وأثرت في الأجيال المتعاقبة. هذه الأعمال غالباً ما تمتاز بالجرأة في الطرح، والعمق في المعالجة، والقدرة على عكس نبض المجتمع وتحدياته. حرية الإبداع لا تعني الفوضى، بل تعني الثقة بقدرة الفنان على تقديم محتوى مسؤول ومؤثر دون أن تكون هناك أيادي خفية أو ظاهرة تقيد خياله أو تفرض عليه مسارات محددة.
تداعيات الوضع الحالي على صناعة الفن ومستقبلها
تكمن خطورة الوضع الحالي، وفقاً للعديد من الخبراء، في أنه لا يؤثر فقط على جودة الأعمال الفنية، بل يهدد الصناعة ككل. فالصناعة الفنية هي قطاع اقتصادي حيوي يوفر الآلاف من فرص العمل، ويجذب الاستثمارات، ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي. عندما تواجه هذه الصناعة تحديات رقابية مفرطة، فإنها قد تؤدي إلى:
- هروب رؤوس الأموال: قد يتجه المنتجون إلى دول أخرى توفر بيئة إبداعية أكثر مرونة وجاذبية.
- هجرة الكفاءات: يضطر المبدعون الموهوبون للبحث عن فرص عمل في أسواق تسمح لهم بتحقيق طموحاتهم الفنية.
- تراجع المستوى: ينحصر الإنتاج في أعمال آمنة ومتشابهة، مما يؤدي إلى تراجع الإقبال الجماهيري وفقدان القدرة التنافسية على الساحتين الإقليمية والدولية.
- فقدان الهوية الثقافية: عندما تتوقف الأعمال الفنية عن عكس واقع المجتمع وتطلعاته بصدق، تفقد جزءاً كبيراً من هويتها الثقافية.
دعوات للتغيير والتطوير
ليست تصريحات كريم الشناوي هي الأولى من نوعها، فقد سبقه العديد من الفنانين والمثقفين في التعبير عن مخاوف مماثلة. وتتجه الدعوات في الوقت الراهن نحو ضرورة مراجعة شاملة لآليات الرقابة، وتوحيد الجهات المعنية، وتبني معايير واضحة وشفافة تخدم الفن بدلاً من عرقلته. يرى البعض أن الحل قد يكمن في إنشاء هيئة رقابية واحدة تضم ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية والفنية والثقافية، تكون مهمتها تسهيل عملية الإنتاج مع الحفاظ على الأطر العامة، بدلاً من الدخول في تفاصيل المحتوى الفني بشكل يحد من الإبداع.
ختاماً، فإن النقاش الذي أثاره المخرج كريم الشناوي ليس مجرد قضية فنية داخلية، بل هو دعوة لإعادة التفكير في العلاقة بين السلطة والإبداع، وكيف يمكن للمجتمعات أن تحتضن فنونها وتدعمها لتكون مرآة صادقة لها ومحركاً للتطور الفكري والثقافي.





