«المقتنون الجدد» في الإمارات.. شعلة شغف واعدة بالفنون
شهدت السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في المشهد الفني بدولة الإمارات العربية المتحدة، تمثّل في ظهور شريحة واسعة من «المقتنين الجدد» للأعمال الفنية. لم يعد اقتناء الفن حكراً على نخبة معينة من هواة الجمع المخضرمين أو المستثمرين الكبار، بل أصبح توجهاً ينتشر بين فئات مجتمعية متنوعة، مدفوعاً بشغف متزايد بالإبداع وتقدير أعمق للثقافة البصرية. يمثل هذا التطور حجر زاوية في مسيرة الإمارات نحو ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للفنون والثقافة، ويعكس جهودها المستمرة في دعم المشهد الفني المحلي والدولي.

خلفية تاريخية ومشاريع ثقافية رائدة
لطالما أولت الإمارات اهتماماً بالغاً للثقافة والفنون، لكن السنوات الأخيرة شهدت تسارعاً غير مسبوق في وتيرة هذا الاهتمام. فقد استثمرت الدولة في مشاريع ثقافية ضخمة وبنية تحتية فنية عالمية المستوى، ما أسهم في بناء نظام بيئي فني متكامل. من أبرز هذه المشاريع تأسيس متاحف عالمية مثل متحف اللوفر أبوظبي، الذي لم يقتصر دوره على استقطاب الأعمال الفنية العالمية، بل عمل أيضاً على تثقيف الجمهور وتعزيز الوعي الفني لديهم. كما لعبت الفعاليات الكبرى مثل إكسبو 2020 دبي دوراً محورياً في إبراز التنوع الثقافي والفني للدولة، وفتح آفاق جديدة للتفاعل مع الفنون من مختلف أنحاء العالم.
لم تقتصر هذه الجهود على المؤسسات الكبرى، بل امتدت لتشمل دعم المعارض الفنية المحلية والدولية، مثل آرت دبي ومهرجان سكة الفني والتصميم، التي أصبحت منصات حيوية للفنانين الناشئين والمؤسسين على حد سواء. هذه المبادرات مجتمعة، أسهمت في نشر ثقافة تقدير الفنون وجعلها جزءاً أصيماً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
دوافع الاقتناء ومحركات السوق
إن تنامي شريحة «المقتنين الجدد» في الإمارات يعود لعدة أسباب متضافرة، تتجاوز مجرد الرغبة في التزيين أو الظهور الاجتماعي. يمكن تلخيص هذه الدوافع والمحركات الرئيسية فيما يلي:
- الشغف الفني والوعي الثقافي: تزايد الوعي بأهمية الفن كمصدر للإلهام والتعبير، وكنوع من الاستثمار الثقافي الذي يثري الحياة الشخصية للمقتني. البرامج التعليمية وورش العمل التي تقام في المراكز الفنية والجاليريات تلعب دوراً كبيراً في تنمية هذا الشغف.
- الاستثمار المالي: ينظر العديد من المقتنين، خاصة الجدد، إلى الأعمال الفنية كأحد أشكال الاستثمار الذي يحمل قيمة مادية متزايدة بمرور الوقت. مع استقرار ونمو سوق الفن في المنطقة، أصبح اقتناء الأعمال الفنية خياراً جذاباً لتنويع المحافظ الاستثمارية.
- دعم الفنانين المحليين: يتزايد الوعي بأهمية دعم المواهب الفنية الإماراتية والعربية المقيمة في الدولة، مما يشجع على اقتناء أعمالهم كجزء من مسؤولية مجتمعية وثقافية.
- سهولة الوصول والتنوع: أصبحت الأعمال الفنية أكثر سهولة في الوصول إليها من خلال المعارض المتعددة، والجاليريات الفنية المنتشرة، وحتى المنصات الرقمية التي تتيح تصفح الأعمال وشرائها. كما أن التنوع الكبير في الأساليب والأسعار يجعل الفن متاحاً لشريحة أوسع من الميزانيات.
الآثار والتداعيات على المشهد الفني
إن ظهور «المقتنين الجدد» له تداعيات إيجابية عميقة على المشهد الفني في الإمارات. فهو يسهم في:
- إنعاش سوق الفن: يزداد الطلب على الأعمال الفنية، مما ينعش السوق ويخلق بيئة أكثر حيوية للجاليريات ودور المزادات.
- دعم الفنانين: يوفر مصدراً مستداماً للدخل للفنانين، ويشجعهم على الإبداع والإنتاج، مما يثري المحتوى الفني المحلي. الفنانون الناشئون على وجه الخصوص يستفيدون من هذا التوسع في قاعدة المقتنين.
- ترسيخ مكانة الإمارات: يعزز هذا التوجه من مكانة الإمارات كمركز إقليمي وعالمي للفن، ويجذب المزيد من المواهب الفنية والاستثمارات الثقافية.
- تعزيز الحوار الثقافي: من خلال اقتناء أعمال فنانين من خلفيات وثقافات مختلفة، يساهم المقتنون في تعزيز الحوار والتفاهم الثقافي.
في الختام، تعكس شعلة الشغف التي يشعلها «المقتنون الجدد» في الإمارات ديناميكية وحيوية مشهدها الفني. إنها ظاهرة تؤكد على النجاح الاستراتيجي للدولة في نسج الفنون والثقافة ضمن نسيجها الوطني، وتبشر بمستقبل واعد تزدهر فيه الإبداعات وتتعمق فيه الروابط بين المجتمع والفن، مما يرسخ دور الفن كقوة دافعة للنمو الثقافي والاجتماعي.





