الولايات المتحدة تفرض عقوبات على رئيس كولومبيا وأفراد من عائلته بدعوى صلتهم بتجارة المخدرات
في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، يوم الجمعة، عن فرض حزمة من العقوبات على رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، بالإضافة إلى أفراد من دائرته المقربة، بمن فيهم زوجته وابنه ووزير الداخلية. وجاء في بيان صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) أن هذه الإجراءات تأتي ردًا على ما وصفته بـ "دوره المحوري في تسهيل عمليات تجارة المخدرات غير المشروعة على مستوى العالم".

تفاصيل العقوبات وأسبابها
بموجب هذه العقوبات، التي تم فرضها استنادًا إلى "قانون تحديد زعماء المخدرات الأجانب" (Kingpin Act)، سيتم تجميد جميع الأصول والممتلكات العائدة للرئيس بيترو والأفراد المشمولين بالعقوبات داخل الولايات المتحدة. كما يُحظر على المواطنين والكيانات الأمريكية إجراء أي نوع من التعاملات المالية أو التجارية معهم. وقد ذكرت وزارة الخزانة أن لديها أدلة تشير إلى تورط الرئيس الكولومبي في شبكات إجرامية دولية تعمل على تهريب الكوكايين وحماية قادة الكارتلات مقابل مكاسب مالية وسياسية.
وأشار البيان الأمريكي إلى أن العقوبات طالت أفراد عائلة الرئيس ووزير داخليته لأنهم شكلوا، بحسب الادعاءات، جزءًا من شبكة معقدة كانت تعمل على إخفاء الأموال المتأتية من أنشطة غير مشروعة وتوظيفها لدعم أجندات سياسية. وتعتبر هذه الخطوة تحولًا جذريًا في سياسة واشنطن تجاه كولومبيا، التي لطالما كانت حليفًا استراتيجيًا لها في حربها على المخدرات في أمريكا اللاتينية.
رد الفعل الكولومبي
وفي أول رد فعل رسمي من العاصمة بوجوتا، ندد الرئيس غوستافو بيترو بشدة بالقرار الأمريكي، واصفًا إياه بأنه "هجوم مباشر على سيادة كولومبيا وتدخل سافر في شؤونها الداخلية". وفي سلسلة من المنشورات على حسابه الرسمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، أكد بيترو أن هذه الاتهامات باطلة وذات دوافع سياسية، وتهدف إلى زعزعة استقرار حكومته التي تسعى إلى تطبيق سياسات اجتماعية جديدة وإنهاء الصراع المسلح في البلاد.
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الكولومبية بيانًا أعربت فيه عن "رفضها القاطع" لهذه الإجراءات الأحادية، مؤكدة أنها تقوض عقودًا من التعاون الثنائي بين البلدين. ودعت الوزارة إلى حوار دبلوماسي عاجل لحل الخلافات، مشددة على أن كولومبيا ملتزمة بمكافحة الجريمة المنظمة في إطار احترام القانون الدولي والسيادة الوطنية.
السياق والخلفية
تأتي هذه العقوبات في ظل فترة من العلاقات المتغيرة بين واشنطن وبوجوتا منذ وصول الرئيس اليساري غوستافو بيترو إلى السلطة. فقد دعا بيترو مرارًا إلى إعادة تقييم استراتيجية "الحرب على المخدرات" التي تقودها الولايات المتحدة، مقترحًا بدلاً من ذلك التركيز على التنمية الريفية، وتقديم بدائل للمزارعين، وتفكيك الشبكات المالية للمنظمات الإجرامية بدلاً من الملاحقة العسكرية فقط.
ويرى محللون أن القرار الأمريكي قد يعكس قلقًا متزايدًا في بعض دوائر واشنطن من نهج بيترو الجديد، الذي يُعتبر خروجًا عن السياسات التقليدية التي دعمتها الولايات المتحدة لعقود. ويمثل فرض عقوبات على رئيس دولة حليفة خطوة نادرة للغاية قد تكون لها عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي.
التداعيات المحتملة
من المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة الدبلوماسية إلى تداعيات واسعة النطاق، قد تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين. وتتمثل أبرز المخاطر المحتملة في:
- تعليق التعاون الأمني: قد يؤدي القرار إلى تجميد أو إنهاء برامج التعاون المشتركة في مجال مكافحة المخدرات والإرهاب، مما يضعف الجهود المبذولة لاحتواء نفوذ الكارتلات.
 - اضطرابات اقتصادية: قد تؤثر العقوبات سلبًا على ثقة المستثمرين وتعيق وصول كولومبيا إلى الأسواق المالية الدولية، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
 - توترات إقليمية: يمكن أن تثير هذه الخطوة ردود فعل من دول أخرى في أمريكا اللاتينية، مما قد يؤدي إلى انقسام إقليمي بين مؤيدي ومعارضي السياسة الأمريكية في المنطقة.
 
وبينما يترقب العالم تطورات هذا الموقف، يبقى مستقبل الشراكة التاريخية بين الولايات المتحدة وكولومبيا محاطًا بالغموض، في ظل أزمة تعد الأخطر منذ عقود طويلة.



