الولايات المتحدة والصين تبحثان استئناف خطوط الاتصال العسكرية
في خطوة هامة نحو إدارة التوترات المتصاعدة بين القوتين العالميتين، عقد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الصيني دونغ جون اجتماعًا مباشرًا في أواخر شهر مايو 2024. جرى اللقاء على هامش منتدى "حوار شانغريلا" الأمني في سنغافورة، وركز بشكل أساسي على ضرورة إعادة فتح قنوات الاتصال العسكرية بين البلدين لتجنب الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى نزاع مباشر.
أهمية الاجتماع وخلفياته
يعد هذا الاجتماع الأول من نوعه بين وزيري دفاع البلدين منذ ما يقرب من 18 شهرًا، مما يعكس فترة من العلاقات الدبلوماسية والعسكرية المتجمدة. كانت الصين قد قطعت العديد من خطوط الاتصال العسكرية في أواخر عام 2022، احتجاجًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك، نانسي بيلوسي، إلى تايوان. جاءت هذه المحادثات الأخيرة تنفيذًا للتفاهم الذي توصل إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمتهما في كاليفورنيا في نوفمبر 2023، حيث اتفقا على ضرورة استئناف الحوار العسكري رفيع المستوى.
القضايا الرئيسية على طاولة المباحثات
هيمنت على المحادثات التي استمرت لأكثر من ساعة عدة ملفات شائكة تعكس عمق الخلافات الاستراتيجية بين واشنطن وبكين. ورغم أن الهدف الأساسي كان بناء جسور التواصل، فقد استغل كل طرف الفرصة للتعبير عن مواقفه بوضوح بشأن القضايا الخلافية الرئيسية.
- قضية تايوان: كانت تايوان في صدارة جدول الأعمال. أعرب الوزير أوستن عن قلق الولايات المتحدة إزاء "النشاط العسكري الاستفزازي" الذي قامت به الصين مؤخرًا حول الجزيرة، خاصة المناورات العسكرية الواسعة التي جاءت ردًا على تنصيب الرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ-تي. من جانبه، حذر الوزير دونغ الولايات المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للصين، مؤكدًا أن قضية تايوان هي خط أحمر.
- بحر الصين الجنوبي: ناقش الطرفان التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، لا سيما المواجهات المتكررة بين السفن الصينية والفلبينية. جدد أوستن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الفلبين بموجب معاهدة الدفاع المشترك، بينما انتقد دونغ الدعم الأمريكي لمانيلا واعتبره عاملاً مزعزعًا للاستقرار الإقليمي.
- الحرب في أوكرانيا: أثار أوستن مخاوف بشأن الدعم الذي تقدمه الشركات الصينية للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، والذي تعتبره واشنطن مساهمة غير مباشرة في المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.
نتائج وتصريحات ما بعد اللقاء
على الرغم من الخلافات العميقة، وصف كلا الجانبين المحادثات بأنها كانت "بناءة" و"إيجابية". صرح المتحدث باسم البنتاغون، الجنرال بات رايدر، بأن الوزير أوستن أكد على أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة بين الجيشين. من جهتها، أفادت وزارة الدفاع الصينية بأن الحوار كان يهدف إلى تعزيز التفاهم وتجنب سوء التقدير. لم يتم الإعلان عن أي اتفاقات ملموسة أو اختراقات كبيرة، لكن مجرد عقد الاجتماع واستمرار الحوار يُعتبر تقدمًا في حد ذاته نحو إدارة العلاقة التنافسية بين البلدين بشكل مسؤول.
السياق الأوسع والتداعيات المستقبلية
يأتي هذا التقارب الحذر في وقت تتزايد فيه المخاوف العالمية من احتمال نشوب صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين. يرى المحللون أن الهدف من هذه المحادثات ليس حل الخلافات الجوهرية، بل وضع "حواجز أمان" تمنع المنافسة من الانزلاق إلى مواجهة عسكرية. إن استئناف الاتصالات العسكرية، خاصة على المستوى العملياتي، يمكن أن يوفر آلية حيوية لنزع فتيل الأزمات المحتملة في نقاط التوتر مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، حيث يستمر كل طرف في تعزيز قدراته العسكرية وتحالفاته الإقليمية، مما يبقي حالة التنافس الاستراتيجي على أشدها.




