استضافت مصر اجتماعاً إقليمياً محورياً مخصصاً لدراسة الجدوى حول تقنيات التشعيع، وذلك تحت الرعاية الهامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. جمع هذا التجمع، الذي انعقد في القاهرة في مطلع شهر نوفمبر الجاري، نخبة متميزة من الخبراء والمسؤولين من عدة دول في المنطقة. كان الهدف الأساسي هو التعمق في التطبيقات العملية، الجدوى الاقتصادية، والأطر التنظيمية المتعلقة بتبني وتوسيع هذه التقنيات المتطورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

انطلاق اجتماع إقليمي في مصر لدراسة جدوى تقنيات التشعيع برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية
تُعرف تقنية التشعيع بأنها عملية تعريض المواد لجرعات متحكم بها من الإشعاع المؤين، مثل أشعة جاما أو حزم الإلكترونات أو الأشعة السينية. تحظى هذه العملية باعتراف واسع لفعاليتها في حفظ المنتجات الغذائية، تعقيم الأجهزة الطبية، وتعزيز سلامة العديد من السلع. على الصعيد العالمي، يتزايد الإقرار بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التقنيات في مواجهة تحديات حاسمة مثل الأمن الغذائي، الصحة العامة، والتنمية المستدامة. تعد دراسة الجدوى الشاملة، كتلك التي نوقشت في القاهرة، ضرورية لضمان أن أي تطبيق يكون سليماً من الناحية الفنية، ومفيداً اقتصادياً، ومستداماً بيئياً، ويلتزم بأعلى معايير السلامة الدولية. يسلط سياق هذا الاجتماع الضوء على الجهود المتزايدة للمنطقة لتسخير التطبيقات النووية السلمية لتحقيق الفائدة المجتمعية.
أهمية تقنيات التشعيع
تتمتع تقنيات التشعيع بمجموعة واسعة من التطبيقات الحيوية التي تساهم في تحسين جودة الحياة والنمو الاقتصادي:
- الأمن والسلامة الغذائية: تعمل تقنية التشعيع بكفاءة على القضاء على مسببات الأمراض (مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية)، وتقلل من التلف، وتمنع إنبات الخضروات، وتطيل مدة صلاحية الفواكه والخضروات ومنتجات اللحوم. يمكن لذلك أن يقلل بشكل كبير من خسائر ما بعد الحصاد، والتي تعد كبيرة في العديد من البلدان النامية، ويحسن سلامة الغذاء، وبالتالي يعزز الأمن الغذائي. كما أنها تساعد في تلبية المتطلبات الصحية النباتية الدولية الصارمة للتصدير.
 - الصحة العامة: أحد التطبيقات الحيوية هو تعقيم المعدات الطبية، الأدوية، والمنتجات الصحية. تضمن هذه العملية أن المستلزمات الطبية خالية من الكائنات الحية الدقيقة الضارة، مما يمنع العدوى المكتسبة من المستشفيات ويحسن سلامة المرضى، وهو أمر بالغ الأهمية في أنظمة الرعاية الصحية.
 - المنافع الاقتصادية: من خلال إطالة مدة الصلاحية وتقليل النفايات، يمكن للتشعيع أن يفتح أسواقاً جديدة للمنتجات الزراعية، ويعزز الصادرات، ويزيد دخل المزارعين. كما يساهم في سلسلة إمداد أكثر كفاءة للمستلزمات الطبية.
 - الاعتبارات البيئية: يقدم بديلاً لبعض المعالجات الكيميائية، مما قد يقلل من الاعتماد على المبيدات الحشرية والمواد الحافظة الكيميائية الأخرى، مما يساهم في ممارسات أكثر صداقة للبيئة.
 
دور مصر والوكالة الدولية للطاقة الذرية
لعب كل من مصر والوكالة الدولية للطاقة الذرية أدواراً محورية في تنظيم هذا الاجتماع وإنجاحه:
- دور مصر الريادي: يعزز استضافة مصر لهذا التجمع الإقليمي مكانتها كمركز علمي وتكنولوجي في العالم العربي وإفريقيا. فبفضل قدراتها البحثية ومؤسساتها المتقدمة، بما في ذلك هيئة الطاقة الذرية المصرية (EAEA) والمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع (NCRRT)، تستثمر مصر بشكل متزايد في التطبيقات النووية السلمية. تتوافق هذه المبادرة مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، التي تؤكد على التقدم التكنولوجي وتنويع القاعدة الاقتصادية. كما أن خبرتها في المجال النووي، بما في ذلك المشاريع الجارية مثل محطة الضبعة للطاقة النووية، توفر أساساً قوياً للمناقشات حول التقنيات ذات الصلة.
 - رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية: لا غنى عن مشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فالوكالة هي المنظمة الحكومية الدولية الرائدة في العالم للتعاون النووي، والتي تروج للاستخدام الآمن والمسؤول والسلمي للتقنيات النووية. تضمن رعايتها للاجتماع أن تسترشد المناقشات بأفضل الممارسات الدولية، وتلتزم ببروتوكولات السلامة والأمن الصارمة، وتستفيد من الخبرة العالمية. تقدم الوكالة مساعدة فنية وتدريباً وإرشادات للدول الأعضاء، مما يعزز بيئة تعاونية لتطوير ونشر التطبيقات النووية بمسؤولية.
 
الأهداف والمخرجات المتوقعة
هدف الاجتماع إلى تسهيل تبادل قوي للمعارف والخبرات بين الدول المشاركة. تضمنت الأهداف المحددة ما يلي:
- مراجعة الوضع الحالي لمنشآت وتطبيقات التشعيع داخل المنطقة.
 - تقييم الجدوى الفنية والاقتصادية لإنشاء مرافق جديدة أو تحديث المرافق القائمة.
 - تحديد التحديات والفرص المشتركة المتعلقة بالأطر التنظيمية، وقبول الجمهور، والوصول إلى الأسواق للمنتجات المعالجة بالإشعاع.
 - وضع توصيات ملموسة وخارطة طريق محتملة للتعاون الإقليمي في تبني وتوحيد استخدام تقنيات التشعيع.
 - تعزيز شبكة من الخبراء الإقليميين لضمان استمرار التعاون ونقل المعرفة.
 
الآثار والتداعيات المستقبلية
من المتوقع أن يكون للنتائج الناجحة لهذا الاجتماع تداعيات بعيدة المدى. على الصعيد الإقليمي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى:
- تعزيز سلامة وأمن الغذاء: يمكن أن يؤدي التبني الواسع لتقنيات التشعيع إلى تقليل كبير في الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء والنفايات، مما يساهم في تحقيق أمن غذائي أكبر عبر الدول المشاركة.
 - النمو الاقتصادي: يمكن أن يؤدي زيادة التجارة في المنتجات الزراعية المعالجة بالإشعاع والمستلزمات الطبية إلى تعزيز الاقتصادات الإقليمية وخلق فرص عمل جديدة.
 - التقدم التكنولوجي: يعمل الاجتماع كحافز لنقل التكنولوجيا وبناء القدرات، مما يرفع من القدرات العلمية والتقنية للمنطقة.
 - تعزيز التعاون الإقليمي: من خلال العمل معاً على التحديات والفرص المشتركة، يمكن للبلدان بناء أطر تعاون أقوى للمساعي العلمية والتقنية المستقبلية.
 
في نهاية المطاف، تضع هذه المبادرة مصر والدول المشاركة في طليعة تسخير العلوم النووية المتقدمة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين نوعية الحياة لسكانها.