بالنسياغا 2026: رؤية بيتشولي لعمارة الأزياء الفضفاضة وفلسفة الهواء
خلال أسبوع الموضة في باريس الأخير، كشفت دار الأزياء الفاخرة بالنسياغا عن مجموعتها المرتقبة لصيف 2026، التي تمثل باكورة أعمال بيير باولو بيتشولي كمدير إبداعي جديد للعلامة. تُقدم هذه المجموعة منظوراً جديداً للأزياء، خاصة مع استمرار تأثير جائحة كوفيد-19 في تشكيل تفضيلات المستهلكين. فقد لاحظ العديد من معلقي الموضة أن العودة القوية للأزياء الفضفاضة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفترة ما بعد الجائحة، حيث أدت فترات الإغلاق إلى اعتياد الأفراد على الراحة في المنازل، وساهم انتشار صورهم بملابس مريحة على وسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ هذا التوجه. هذا "الشكل" المألوف للراحة استمر وتجذر حتى بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، ليجد طريقه إلى منصات عروض الأزياء العالمية.

خلفية التصميم: بين الراحة المعاصرة ومفهوم "الهواء"
شكلت الأزياء الفضفاضة السمة الغالبة على مجموعة بالنسياغا 2026، مقدمة مقاربة متميزة تختلف عن المألوف. فقد ركزت التصاميم على توفير أقصى درجات الراحة وحرية الحركة، متجاوزة مفهوم الجسد المرسوم بدقة في الثوب. تجلى ذلك بوضوح في القطع الافتتاحية، مثل فستان أسود فضفاض ينسدل من الكتفين ليلامس الأرض، مظهراً وكأنه يطفو فوق جسد العارضة، حيث تختفي ملامحها وتقاسيمها خلف القماش. هذه الميزة تكررت باستمرار في القمصان والسراويل، مؤكدة على وجود مسافة واضحة وفاصلة بين الجسد والثوب. ولم يفت بعض النقاد الإشارة إلى أن الفستان الأول بدا كأنه إعادة تفسير أنيقة وعصرية لفستان "كيس القمامة" الشهير من أرشيف بالنسياغا، لكن هذه المرة بصورة أكثر رصانة وجمالاً.
يُفسر بيتشولي رؤيته المستوحاة من خلفيته المعمارية، حيث يسعى إلى تصميم أزياء لا تلامس الجسد مباشرة. يؤكد بيتشولي أن مؤسس الدار، كريستوبال بالنسياغا، كان لديه هاجس بالجسد، وبالقماش، و"العنصر الثالث بينهما: الهواء". هذا الهواء، أو الفراغ المحيط بالجسم داخل الثوب، يتحول في مجموعته إلى عنصر قوة وجمال أساسي. فهو يمنح كل قطعة حياة متعدّدة الأشكال، ويسمح لها بالتشكل بحسب حركة الجسد وطريقة المشي. فبدلاً من الاعتماد على انحناءات مصممة بدقة، تبدو الفساتين معلقة على الأكتاف، وتتحرك بتأثير الجسد، مانحة للحركة، أو حتى لغيابها، حرية إعادة رسم شكلها. هنا، ليس الهواء مجرد فراغ، بل هو مكون جمالي وظيفي وفاعل في تحديد طبيعة التصميم.
السمات الرئيسية والتطورات: أحجام تتحدى المألوف
تعتمد المجموعة بأكملها على اللعب بالأحجام، فتبدو بعض الأثواب وكأنها قطع قماش وُضعت فوق بعضها البعض، واسعة ومريحة لدرجة قد تربك مقاساتها التقليدية. تقتصر نقاط التثبيت الأساسية على الخصر أو الكتفين أو كليهما، مما يعزز الإحساس بالاتساع والتحرر. حتى المعاطف تأتي بأحجام أكبر من المعتاد، وكأن المجموعة تعلن انفصالاً تاماً بين الجسد والثياب، في علاقة يحكمها الهواء وتتأثر بتسارع الحركة. إننا أمام مجموعة ذات طابع حيوي واستعراضي، قد يكون من الصعب تخيل عرضها على مانيكان ثابت في واجهة متجر، نظراً لطبيعتها التي تتطلب الحركة لتظهر جمالها.
ما يميز هذه المجموعة أيضاً هو خلوها من المبالغات المعتادة التي لطالما اشتهرت بها بالنسياغا، مما يعكس تصريح بيتشولي الذي وصف عمله بأنه محاولة للتوفيق بين الأزياء الفاخرة وأزياء الشارع. يظهر هذا التوجه بوضوح في التفاصيل الصغيرة مثل الشباشب المريحة المرافقة لبعض الفساتين، والقبعات الضخمة التي تلفت الانتباه، بالإضافة إلى ومضات من الألوان الفاقعة التي تبرز وسط الأقمشة الداكنة. يبدو أن العلامة، التي بنت جزءاً من شهرتها على إثارة الجدل، تتخذ خطوة محسوبة إلى الوراء مع مديرها الإبداعي الجديد، الذي يصف مشروعه بأنه "محاولة لجعل العادي فائق التميّز" وتحويل المألوف إلى استثنائي.
الرؤية والتأثير: تحدي الأناقة التقليدية لمستقبل الموضة
تتقاطع هذه المجموعة مجدداً مع روح أزياء الشارع، تلك التي تحتفي بالمستعمل والعشوائي والمختلف في القياسات. فبالنسياغا، تحت قيادة بيتشولي، تتبنى نظام أزياء مضاداً للأناقة التقليدية، لكن بعيداً عن المبالغة المفرطة في الأحجام والألوان. إنه رهان جريء على ذوق جديد يقوم على المزج بين قطع مستعملة أو بأحجام أكبر أو أصغر من المقاس المثالي، وتلك التي تناسب الجسد تماماً، مما يفتح آفاقاً جديدة أمام مفهوم الفخامة. تعكس هذه المقاربة تحولاً في فهم الجمال والأناقة، حيث يزداد التركيز على الراحة الشخصية، والحرية التعبيرية، والابتكار الفني، بدلاً من التقيد الصارم بالقواعد التقليدية للتصميم، مما يعيد تعريف العلاقة بين الجسد، القماش، والفراغ المحيط بهما في عالم الموضة الحديث.




