مصر: رائدة الرياضة منذ البدايات

تستعد الأنظار العالمية للتوجه نحو مصر، حيث يترقب الجميع الافتتاح المرتقب لـالمتحف المصري الكبير، الذي لا يُعد مجرد معلم ثقافي جديد، بل أيقونة حضارية من شأنها إعادة تعريف تجربة المتاحف العالمية. يُنظر إلى هذا الصرح الضخم على أنه أهم وأكبر متحف تاريخي في العالم، ومن المتوقع أن يستقبل قادة العالم ووسائل إعلامه، إلى جانب الملايين من الزوار من جميع أنحاء الكوكب، الذين سيتوافدون سعيًا لاستكشاف وفهم كيف بدأت مسيرة الحضارة والتطور في شتى مجالات البناء والعلوم والفنون والآداب، وحتى في مفاهيم الحب والأحلام، التي شكلت جوهر الوجود الإنساني.

المتحف المصري الكبير: أيقونة الحضارة

يتجسد المتحف المصري الكبير كمركز عالمي لاستجلاء أصول المعرفة والإبداع. ومع أن مهمته الأساسية تتركز حول عرض الإرث الأثري العظيم لمصر القديمة، إلا أن رؤيته تمتد لتشمل الإلهام الفكري والثقافي الذي يمكن أن يقدمه للعالم. المتاحف الكبرى في مختلف أنحاء العالم لا تبقى جامدة؛ بل تتطور باستمرار، وتسعى إلى زيادة مقتنياتها وتحديث أساليب عرضها لجذب الأجيال الجديدة وتقديم منظورات متجددة لتاريخ البشرية. وفي هذا السياق، تطرح رؤى جديدة لمستقبل المتحف المصري الكبير، تهدف إلى توسيع نطاق روايته التاريخية لتشمل جوانب قد تبدو غير تقليدية للبعض، لكنها ذات أهمية قصوى في فهم التطور الإنساني.

مكانة الرياضة في العصور القديمة

في عصرنا الحالي، تجاوزت الرياضة كونها مجرد ألعاب ترفيهية هامشية، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للمجتمعات. إنها قوة دافعة للتلاحم والتنافس والإنجاز، وتكتسب أهمية متزايدة في الدراسات التاريخية والاجتماعية. ومع ذلك، غالبًا ما يتم إغفال الدور المحوري الذي لعبته الرياضة في الحضارات القديمة، بما في ذلك الحضارة المصرية التي كانت رائدة في العديد من المجالات. يعكس هذا التطور في فهم أهمية الرياضة حاجة ملحة لإعادة تقييم كيفية تقديم تاريخ الرياضة ضمن السرديات التاريخية الشاملة، وخاصة في المتاحف الكبرى التي تُعد حافظة لذاكرة البشرية.

دعوة لتضمين تاريخ الرياضة المصرية القديمة

في هذا السياق، يبرز اقتراح بضرورة تخصيص قسم فريد ومهم داخل المتحف المصري الكبير، يعنى بتاريخ الرياضة في مصر القديمة. هذا القسم لن يكون مجرد إضافة عادية، بل سيكون بمثابة قفزة نوعية في فهمنا للتراث الرياضي العالمي. الفكرة الأساسية وراء هذا الاقتراح هي أن مصر، بوصفها مهدًا للحضارات، كانت أيضًا مهدًا لأنشطة رياضية متنوعة ومتطورة، مما يجعلها نقطة انطلاق أساسية لأي دراسة معمقة لتاريخ الرياضة على مستوى العالم.

الهدف من هذا القسم هو عرض الأدلة الأثرية والرسومات والنقوش التي تظهر ممارسة المصريين القدماء لمجموعة واسعة من الألعاب والأنشطة البدنية، والتي لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، واحتفالاتهم الدينية، وتدريباتهم العسكرية، وحتى تعبيراتهم الفنية. إن تقديم هذه الحقائق التاريخية في سياق متحفي متكامل سيساعد في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوسيع آفاق المعرفة حول أصول الرياضة.

لماذا تُعد مصر مهدًا للرياضة؟

تقدم الأدلة الأثرية الكثيرة والمتنوعة، المنتشرة عبر آلاف السنين من الحضارة المصرية القديمة، حججًا قوية لتأكيد ريادة مصر في مجال الرياضة. هذه الأدلة لا تقتصر على النصوص والبرديات، بل تشمل أيضًا النقوش الجدارية المذهلة في المقابر والمعابد، والتحف التي تصور الرياضيين، وحتى المعدات التي كانت تستخدم في الألعاب المختلفة. ومن أبرز الأمثلة التي تؤكد ذلك:

المصارعة: تُظهر مقابر بني حسن (في عصر الدولة الوسطى حوالي 2000 قبل الميلاد) مئات النقوش التي تصور المصارعين في أوضاع مختلفة، مما يدل على أن المصارعة لم تكن مجرد رياضة، بل كانت فنًا وتقنية متطورة، وربما جزءًا من التدريب العسكري. هذه النقوش تُعد من أقدم وأشمل الوثائق المرئية للمصارعة في العالم القديم.
السباحة والتجديف: كانت الأنهار، وعلى رأسها النيل، جزءًا حيويًا من حياة المصريين القدماء. توجد رسومات تصور أنشطة السباحة والتجديف في قوارب خفيفة، مما يشير إلى أهمية هذه المهارات، سواء للنقل أو للصيد أو حتى كنشاط رياضي ترفيهي.
الرماية: تُظهر العديد من الآثار الفرعونية الفراعنة والأمراء وهم يمارسون الرماية، ليس فقط كمهارة حربية ضرورية، بل كرياضة ملكية تعكس القوة والدقة.
ألعاب الكرة: عُثر على كرات مصنوعة من الكتان أو الجلود ومحشوة بالقش، بالإضافة إلى نقوش تصور ألعابًا تشبه كرة القدم أو اليد الحديثة، مما يدل على وجود ألعاب جماعية منظمة.
الجمباز والألعاب البهلوانية: هناك نقوش تُظهر حركات رياضية تشبه الجمباز، تؤديها النساء والرجال على حد سواء، مما يشير إلى الاهتمام بالمرونة واللياقة البدنية.
رفع الأثقال: بعض النقوش تصور رجالًا يحملون أوزانًا ثقيلة، مما قد يشير إلى شكل مبكر من رياضات القوة.

تؤكد هذه الشواهد مجتمعة أن المصريين القدماء لم يكتشفوا الرياضة فحسب، بل مارسوها بانتظام، وطوروها، ودمجوها في نسيج حياتهم وثقافتهم بطرق متنوعة ومبتكرة. لم تكن هذه الأنشطة ترفًا، بل وسيلة للحفاظ على اللياقة البدنية، وتعزيز الروح المعنوية، والاحتفال، وإظهار المهارة. وعليه، فإن تخصيص قسم يعرض هذا التاريخ الغني والمتنوع سيلقي ضوءًا جديدًا على مساهمة مصر الأصيلة في الحضارة الإنسانية من منظور رياضي.

تأثير قسم الرياضة المقترح

إذا ما تم إنشاء هذا القسم الخاص بالرياضة المصرية القديمة في المتحف المصري الكبير، فإنه سيصبح بلا شك أحد أهم القاعات في العالم المخصصة للتاريخ الرياضي. سيكون له تأثير جذري على الرؤية العالمية للرياضة وتاريخها، وسيدفع المؤرخين والباحثين إلى إعادة النظر في كثير من الافتراضات السابقة حول أصول الألعاب الرياضية وتطورها. سيكون المتحف حينئذ ليس فقط مرجعًا للحضارة المصرية القديمة بمعناها التقليدي، بل مرجعًا أساسيًا لفهم كيفية تشكل الرياضة كظاهرة إنسانية عالمية. هذا القسم لن يثري تجربة الزوار فحسب، بل سيعمق أيضًا التقدير العالمي لإسهامات مصر التاريخية في كل جانب من جوانب الوجود البشري، بما في ذلك ما قد يبدو للبعض نشاطًا حديثًا.

في الختام، بينما يستعد المتحف المصري الكبير لفتح أبوابه، فإنه يحمل وعدًا بأن يكون أكثر من مجرد مستودع للآثار. إنه منارة للمعرفة التي تستمر في التطور، والقادرة على كشف النقاب عن جوانب غير مستكشفة من تاريخنا البشري. إن دمج قسم مخصص لتاريخ الرياضة المصرية القديمة من شأنه أن يعزز هذا الدور، ويؤكد مرة أخرى أن في كل مجال، بما في ذلك الرياضة، كانت مصر هي البداية الحقيقية.