في عالم كرة القدم الذي غالبًا ما يبهره بريق النجوم والملايين، تبرز قصص غريبة تتجاوز حدود الواقع، ومن بينها قصة الهولندي بيرنيو جوردان إنزو فيرهاغن. يُعرف فيرهاغن بأنه أحد أبرز المحتالين في تاريخ اللعبة، حيث نجح في التوقيع مع أربعة أندية محترفة في أربع دول مختلفة خلال عام واحد فقط بين عامي 2019 و2020، دون أن يخوض أي مباراة رسمية. هذه القصة المثيرة لا تسلط الضوء فقط على براعة المحتال، بل تكشف أيضًا عن الثغرات الخطيرة في نظام انتقالات اللاعبين.

خلفية القصة وبداية الاحتيال
بدأ نجم فيرهاغن المزيف في الصعود في عام 2019. فبينما كان لاعبًا مغمورًا لا يمتلك موهبة كروية بارزة، استطاع أن يخلق لنفسه سيرة ذاتية وهمية جذابة، مستغلاً وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة معقدة من الوكلاء الوهميين. ادعى فيرهاغن أنه لاعب شاب واعد يتمتع بمهارات عالية ومطلوب من قبل العديد من الأندية الكبرى، مستخدمًا تكتيكات نفسية للإيقاع بضحاياه من الأندية التي تبحث عن المواهب بأقل التكاليف.
رحلة الخداع عبر القارات
شهدت الفترة بين منتصف عام 2019 وأوائل عام 2020 سلسلة من التحركات الغريبة وغير المنطقية لفيرهاغن بين الأندية:
- كيب تاون سيتي (جنوب أفريقيا): كانت البداية في يونيو 2019، حيث وقع فيرهاغن مع النادي الجنوب أفريقي. سرعان ما ادعى تعرضه لإصابة منعته من اللعب، ليغادر النادي فجأة تاركًا وراءه الشكوك.
- دينامو أوتو تيراسبول (مولدوفا): في أغسطس 2019، انتقل فيرهاغن إلى النادي المولدوفي. تكرر السيناريو ذاته، حيث ادعى إصابة أخرى تمنعه من المشاركة في المباريات، ولم يظهر في أي لقاء رسمي قبل أن يختفي مجددًا.
- فيبورغ إف إف (الدنمارك): كانت هذه المحطة هي الأكثر درامية. في أكتوبر 2019، وقع فيرهاغن مع نادي فيبورغ الدنماركي بعد أن قدم نفسه كلاعب موهوب للغاية. ومع ذلك، بدأت الشكوك تحوم حوله بسرعة. فقد كان سلوكه غريبًا، وكانت مهاراته الكروية لا تتناسب مع السمعة التي روج لها. اكتشف النادي لاحقًا شبكة الاحتيال المتطورة التي يديرها، بما في ذلك وكلاء مزيفون ومستندات مزورة. تم إنهاء عقده بعد فترة وجيزة من الكشف عن حقيقته.
- أوداكس إيتاليانو (تشيلي): في ذروة القصة، وبعد أن كُشفت حقيقته في الدنمارك، ظهرت تقارير عن توقيعه مع نادي أوداكس إيتاليانو التشيلي. لكن هذه الصفقة انهارت سريعًا فور انتشار تفاصيل فضيحة فيرهاغن على نطاق واسع في وسائل الإعلام العالمية.
آلية الاحتيال والتحديات
اعتمد فيرهاغن على استراتيجية معقدة للاحتيال تضمنت عدة عناصر رئيسية:
- وكلاء مزيفون وهوية وهمية: استخدم أسماء وهمية وأرقام هواتف متعددة للتواصل مع الأندية، متظاهرًا بأنه وكيل أو ممثل للاعب.
- وسائل التواصل الاجتماعي: أنشأ حسابات مزيفة للاعبين ووكلاء مزيفين لتعزيز مصداقيته وبناء صورة وهمية عن موهبته ومكانته في عالم كرة القدم.
- استغلال ضعف الأندية: استهدف الأندية في الدوريات الأقل شهرة التي غالبًا ما تفتقر إلى الموارد الكافية لإجراء فحوصات دقيقة وشاملة لخلفية اللاعبين والوكلاء.
- نافذة الانتقالات السريعة: استغل ضغط الوقت خلال فترات الانتقالات الصيفية والشتوية، حيث تكون الأندية في عجلة من أمرها لإبرام الصفقات.
التداعيات القانونية والسجن
تصاعدت قصة فيرهاغن من الاحتيال الكروي إلى الجريمة الجنائية. ففي الدنمارك، حيث كُشفت حقيقته، تورط في قضايا خطيرة. تم القبض عليه في ديسمبر 2019 واتهم بجرائم متعددة شملت الاعتداء، والابتزاز، والتهديد، واحتجاز صديقته السابقة. وفي عام 2020، أدين فيرهاغن وحُكم عليه بالسجن لمدة 13 شهرًا في الدنمارك، مما وضع حدًا لمسيرته الاحتيالية المثيرة للجدل.
الدروس المستفادة وتأثير القصة
تعتبر قضية بيرنيو فيرهاغن بمثابة جرس إنذار هز عالم كرة القدم، وأجبر الأندية والجهات التنظيمية على إعادة تقييم إجراءاتهم. لقد كشفت هذه القصة عن الحاجة الماسة إلى:
- تعزيز إجراءات التحقق من خلفيات اللاعبين ووكلاء اللاعبين.
- تطوير آليات أكثر صرامة لمكافحة الاحتيال في سوق انتقالات كرة القدم.
- توعية الأندية، خاصة الصغرى منها، بمخاطر الصفات المشبوهة.
في الختام، يظل بيرنيو فيرهاغن رمزًا فريدًا للاحتيال في كرة القدم، وقصته تذكيرًا بأن بريق اللعبة لا يخلو من زوايا مظلمة يمكن أن يستغلها المخادعون، مما يجعل "أكبر مخادع في تاريخ كرة القدم" عنوانًا مستحقًا لحكايته.





