بيونغ يانغ تهدد بتصعيد هجومي رداً على انتقادات تجاربها الصاروخية
أعلنت كوريا الشمالية في بيان رسمي مؤخراً عن نيتها تبني نهج عسكري "أكثر هجومية"، في تصعيد كلامي لافت يأتي عقب إطلاقها الأخير لصاروخ بالستي عابر للقارات. جاء هذا التهديد، الذي نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية على لسان وزير الدفاع كانغ سون نام، كرد مباشر على ما وصفته بيونغ يانغ بـ"الأعمال الاستفزازية" من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بما في ذلك تدريباتهما العسكرية المشتركة وانتقاداتهما لبرنامجها الصاروخي.

التطورات الأخيرة والإطلاق الصاروخي
يأتي هذا الإعلان في أعقاب إطلاق صاروخ بالستي جديد من طراز هواسونغ-18، وهو أحدث صاروخ عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب في ترسانة الشمال. يمثل هذا النوع من الصواريخ تقدماً تكنولوجياً كبيراً، حيث أن صواريخ الوقود الصلب أسهل في النقل والتخزين وأسرع في الإطلاق مقارنة بتلك التي تعمل بالوقود السائل، مما يجعل رصدها واعتراضها أكثر صعوبة. سقط الصاروخ في المياه قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية، داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، مما أثار إدانات فورية. وفي بيانه، اتهم وزير الدفاع الكوري الشمالي واشنطن وحلفاءها بدفع المنطقة إلى "حافة حرب نووية" من خلال تكثيف المناورات العسكرية ونشر أصول استراتيجية أمريكية، مثل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، بالقرب من شبه الجزيرة الكورية.
خلفية التوترات المتصاعدة
لم يأتِ هذا التصعيد من فراغ، بل هو حلقة في سلسلة من التوترات المتزايدة في المنطقة. على مدار العامين الماضيين، كثفت كوريا الشمالية من تجاربها الصاروخية بمعدل غير مسبوق، في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة. ترى بيونغ يانغ أن هذه التجارب ضرورية لتعزيز قدرتها على الردع والدفاع عن النفس في مواجهة ما تعتبره سياسات عدائية من قبل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. من أبرز أسباب هذا التوتر:
- المناورات العسكرية المشتركة: تعتبر كوريا الشمالية التدريبات العسكرية السنوية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مثل مناورات "درع الحرية أولتشي"، بمثابة بروفة لغزو أراضيها، وترد عليها عادةً باستعراضات عسكرية أو إطلاق صواريخ.
- تعزيز التحالف الأمريكي-الكوري الجنوبي: تبنت حكومة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول موقفاً أكثر صرامة تجاه الشمال، وعملت على تعميق التحالف الأمني مع واشنطن، وهو ما تعتبره بيونغ يانغ تهديداً مباشراً.
- الجمود في مجلس الأمن: أدى استخدام الصين وروسيا لحق النقض (الفيتو) إلى منع فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، مما شجعها على مواصلة تطوير برامج أسلحتها دون خوف من عواقب دولية موحدة.
ردود الفعل الدولية
قوبل الإطلاق الأخير والتهديدات المصاحبة له بإدانات واسعة من المجتمع الدولي. فقد وصفت كل من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة الخطوة بأنها عمل استفزازي خطير يقوض الأمن الإقليمي والعالمي. وأكدت واشنطن مجدداً التزامها "الصارم" بالدفاع عن حلفائها في المنطقة. من جانبها، دعت سول إلى رد حاسم ومنسق، مشددة على أنها ستحافظ على وضع الاستعداد العسكري التام لمواجهة أي استفزاز. في المقابل، دعت كل من بكين وموسكو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار، مع توجيه اللوم جزئياً إلى المناورات العسكرية الأمريكية باعتبارها سبباً في تفاقم التوترات.
الأهمية والأبعاد المستقبلية
يمثل الإعلان عن نهج "هجومي" تحولاً مقلقاً في عقيدة كوريا الشمالية العسكرية، حيث قد يشير إلى استعداد أكبر لاستخدام القوة بشكل استباقي بدلاً من الرد فقط. هذا الأمر يرفع من مخاطر سوء التقدير أو نشوب صراع عرضي في واحدة من أكثر مناطق العالم توتراً عسكرياً. كما أنه يعقد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، ويظهر أن العقوبات الدولية لم تكن كافية لثني بيونغ يانغ عن طموحاتها العسكرية. يستمر الوضع في التطور، مع ترقب المجتمع الدولي للخطوة التالية من كوريا الشمالية وتأثيرها على استقرار المنطقة.




