تجدد المخاوف في سيئول: هل يؤدي التقارب الإندونيسي الكوري الشمالي لتسرب تكنولوجيا مقاتلة «كي إف-21»؟
تشهد العاصمة الكورية الجنوبية، سيئول، حالة من القلق المتزايد بشأن مستقبل مشروع الطائرة المقاتلة المتقدمة «كي إف-21» (KF-21 Boramae)، وذلك على خلفية تقارير حديثة تشير إلى تقارب محتمل في العلاقات بين إندونيسيا، الشريك الرئيسي في المشروع، وكوريا الشمالية. هذه المخاوف تتفاقم مع حادثة بارزة وقعت في مطلع عام 2024، حيث جرى الكشف عن محاولة مهندسين إندونيسيين الحصول على بيانات حساسة من المشروع، مما يثير تساؤلات جدية حول أمن المعلومات والتقنيات العسكرية الحيوية.

خلفية المشروع والشراكة
يُعد مشروع «كي إف-21 بوراماي» حجر الزاوية في استراتيجية كوريا الجنوبية للدفاع الذاتي، ويهدف إلى تطوير مقاتلة متعددة المهام من الجيل الرابع والنصف، لتحل محل الأساطيل المتقادمة من طائرات إف-4 وإف-5. يطمح هذا المشروع الطموح، الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، إلى تعزيز القدرات الجوية الكورية الجنوبية وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب، مع سعي سيئول لتصبح مصدراً رئيسياً للأسلحة المتقدمة.
دخلت إندونيسيا في شراكة استراتيجية مع كوريا الجنوبية في عام 2010 للمشاركة في تطوير المقاتلة، وتعهدت بالمساهمة بنسبة 20% من إجمالي تكاليف التطوير، أي ما يعادل حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي، مقابل نقل التكنولوجيا اللازمة لتصنيع 50 طائرة محليًا. كانت هذه الشراكة تُنظر إليها على أنها خطوة هامة لتعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الخبرات الدفاعية بين البلدين.
المخاوف المتجددة من تسرب التكنولوجيا
تزايدت المخاوف الكورية الجنوبية من تسرب التقنيات الحساسة للمقاتلة «كي إف-21» بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وقد غذت هذه المخاوف تقارير، وإن كانت غير مؤكدة بشكل قاطع في بعض الأحيان، حول جهود إندونيسية محتملة لإعادة تنشيط أو توثيق علاقاتها مع كوريا الشمالية. وبالنظر إلى سعي بيونغ يانغ الدائم للحصول على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بطرق غير مشروعة لتعزيز برامجها الصاروخية والنووية، فإن أي تقارب بين جاكرتا وبيونغ يانغ يثير إنذارًا عاليًا في سيئول.
وقد تجسدت هذه المخاوف بشكل ملموس في فبراير 2024، عندما كشفت وكالة الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية عن حادثة محاولة مهندسين إندونيسيين تابعين للبرنامج المشترك، الحصول على بيانات ومعلومات حساسة للغاية من مشروع «كي إف-21». وقد شملت هذه البيانات مخططات تصميمية، وتفاصيل عن أنظمة الرادار المتقدمة (AESA)، وتكنولوجيا الطيران، ومكونات رئيسية أخرى تمثل جوهر قدرات المقاتلة. وتبعاً لذلك، قامت السلطات الكورية الجنوبية بتعليق وصول المهندسين المعنيين إلى مقر المشروع وفتح تحقيق شامل في الحادث. يُعتبر هذا التطور انتهاكًا خطيرًا لأمن المعلومات، ويُبرز هشاشة الشراكات التكنولوجية العسكرية.
تحديات التعاون الإندونيسي الكوري الجنوبي
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للشراكة، واجه التعاون بين كوريا الجنوبية وإندونيسيا عقبات متعددة. أبرزها التخلف المتكرر من جانب إندونيسيا عن سداد حصتها المالية المتفق عليها في المشروع. تراكمت المتأخرات على مر السنوات، مما أدى إلى توترات وشكوك حول التزام جاكرتا الكامل بالمشروع. وقد استشهدت إندونيسيا بتحديات اقتصادية داخلية كمبرر لعدم قدرتها على الوفاء بجميع التزاماتها المالية.
أثرت هذه القضايا المالية بشكل مباشر على وتيرة تقدم المشروع وجدوله الزمني، مما دفع سيئول إلى تحمل عبء أكبر من التكاليف. كما أدت إلى مراجعة مستمرة لشروط الشراكة، في محاولة لإيجاد حلول تسمح لإندونيسيا بالوفاء بالتزاماتها دون تعريض المشروع للخطر.
التداعيات المحتملة
إن تسرب تكنولوجيا المقاتلة «كي إف-21»، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يحمل في طياته تداعيات وخيمة على كوريا الجنوبية. فعلى المستوى الأمني، قد يمنح هذا التسرب كوريا الشمالية أو دولاً أخرى معادية ميزة تكنولوجية غير مستحقة، مما يهدد التفوق العسكري الكوري الجنوبي في المنطقة. وعلى الصعيد الاقتصادي، قد يؤدي إلى خسائر فادحة في الاستثمارات الضخمة التي أنفقتها سيئول على البحث والتطوير، ويضر بسمعة كوريا الجنوبية كمورد موثوق به للتكنولوجيا الدفاعية المتقدمة.
كما أن مستقبل الشراكة مع إندونيسيا بات على المحك. فإذا لم يتم استعادة الثقة ومعالجة قضايا الأمن المالي والتكنولوجي، قد تضطر كوريا الجنوبية إلى إعادة تقييم جدوى استمرار هذا التعاون، مما قد يترك إندونيسيا بدون التكنولوجيا الموعودة ويجعل كوريا الجنوبية تتحمل كامل تكلفة المشروع بمفردها.
تُجري السلطات الكورية الجنوبية حالياً تحقيقات مكثفة في حادثة تسرب البيانات، وتتخذ إجراءات لتعزيز تدابير الأمن السيبراني والمادي في جميع مراحل مشروع «كي إف-21». وتأمل سيئول في إيجاد حلول دبلوماسية ومالية مع جاكرتا لضمان استمرارية ونجاح المشروع دون المساس بالأمن القومي أو تفريغ التقنيات الحساسة التي تمثل خلاصة عقود من التطور الدفاعي.


