تحول في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: نهاية محتملة لسياسة "الشيك على بياض"
تشهد العلاقة الاستراتيجية الراسخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تحولاً لافتاً، حيث أدت تداعيات الحرب في قطاع غزة إلى خلافات علنية غير مسبوقة بين إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. هذا التوتر المتصاعد يثير تساؤلات جدية حول مستقبل سياسة الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، والتي وُصفت لعقود بأنها بمثابة "شيك على بياض".

خلفية التحالف التاريخي
على مدى عقود، ارتكز التحالف الأمريكي الإسرائيلي على أسس متينة من المصالح الأمنية المشتركة، والقواسم السياسية، والدعم القوي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. تجلى هذا الدعم في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة، بالإضافة إلى حماية دبلوماسية في المحافل الدولية، لا سيما عبر استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات تدين إسرائيل.
حرب غزة كنقطة تحول
اندلعت الشرارة الأولى للتحول الحالي مع بدء الحرب في غزة عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023. في البداية، قدمت واشنطن دعماً قوياً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكن مع تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، بدأ الموقف الأمريكي يتغير تدريجياً. برزت نقاط الخلاف الرئيسية حول عدة محاور:
- حماية المدنيين: عبّرت واشنطن مراراً عن قلقها من الأعداد الكبيرة للضحايا المدنيين ودعت إسرائيل إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لحمايتهم.
- المساعدات الإنسانية: انتقدت الإدارة الأمريكية القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات إلى القطاع، ولجأت إلى خطوات استثنائية مثل الإنزال الجوي للمساعدات والتخطيط لإنشاء رصيف بحري مؤقت.
- عملية رفح العسكرية: حذرت الولايات المتحدة بشدة من شن هجوم واسع النطاق على مدينة رفح المكتظة بالنازحين دون وجود خطة موثوقة لحماية المدنيين.
- مستقبل غزة: تباينت الرؤى بشكل واضح حول إدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تضغط واشنطن باتجاه حل الدولتين، وهو ما ترفضه أطراف مؤثرة في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
مؤشرات التغيير في السياسة الأمريكية
لم يقتصر التحول في الموقف الأمريكي على التصريحات الإعلامية، بل تجسد في خطوات عملية شكلت خروجاً عن المألوف. كان أبرز هذه المؤشرات هو امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض في مارس 2024، مما سمح لمجلس الأمن الدولي بتبني قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهي خطوة أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية.
بالتوازي مع ذلك، تصاعدت حدة الانتقادات العلنية من كبار المسؤولين الأمريكيين. صرح الرئيس بايدن بأن سياسات نتنياهو "تضر إسرائيل أكثر مما تنفعها"، في حين تزايدت الدعوات داخل الحزب الديمقراطي لفرض شروط على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. كما أصدرت الإدارة الأمريكية مذكرة الأمن القومي (NSM-20) التي تطالب الدول التي تتلقى أسلحة أمريكية بتقديم ضمانات مكتوبة بالتزامها بالقانون الإنساني الدولي.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
يكمن جوهر هذا التحول في أنه يضع حداً لفكرة أن الدعم الأمريكي لإسرائيل مطلق ولا يخضع لأي قيود. يواجه الرئيس بايدن ضغوطاً داخلية متزايدة من الجناح التقدمي في حزبه ومن الرأي العام، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. في المقابل، يواجه نتنياهو ضغوطاً من شركائه في الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف الذين يرفضون أي تنازلات. هذا التباين في الحسابات السياسية الداخلية يغذي الخلافات بين الحليفين، ويشير إلى أن حقبة "الشيك على بياض" قد تكون في طريقها إلى النهاية، لتفسح المجال أمام علاقة أكثر تعقيداً وتعتمد بشكل أكبر على تطورات الأحداث على الأرض ومدى تطابق المصالح الاستراتيجية بين البلدين.