تصاعد التوترات الإقليمية: أزمة باكستان-أفغانستان وحرب التصريحات بين واشنطن وطهران
تشهد منطقة آسيا مؤخراً تصاعداً ملحوظاً في التوترات الإقليمية، مدفوعاً بمسارين رئيسيين من النزاعات. فمن جهة، تتفاقم الأزمة بين باكستان وأفغانستان، التي تميزت بتصاعد الاشتباكات الحدودية والخلافات الدبلوماسية بشأن قضايا الأمن واللاجئين. ومن جهة أخرى، تستمر حرب التصريحات والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما حول البرنامج النووي الإيراني ودور طهران في المنطقة. هذه التطورات تشير إلى بيئة جيوسياسية معقدة ومتقلبة تحمل في طياتها تحديات كبيرة للاستقرار الإقليمي والدولي.
خلفية التوتر بين باكستان وأفغانستان
تعود جذور التوتر بين باكستان وأفغانستان إلى عقود طويلة، وتحديداً إلى قضية خط دوراند، الحدود المتنازع عليها التي رسمها البريطانيون عام 1893، ولم تعترف بها الحكومات الأفغانية المتعاقبة بشكل كامل. لطالما شكلت هذه الحدود نقطة خلاف رئيسية، تفاقمت مع صعود حركة طالبان في أفغانستان وتأثيراتها الأمنية على باكستان. تقليدياً، اتهمت باكستان أفغانستان بإيواء وتسهيل عمليات الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان (TTP)، التي تستهدف مصالحها الأمنية من داخل الأراضي الأفغانية. في المقابل، تتهم كابول إسلام أباد بالتدخل في شؤونها الداخلية وبمعاملة سيئة للمهاجرين الأفغان.
بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، تزايدت آمال باكستان بأن تتمكن السلطات الأفغانية الجديدة من كبح جماح الجماعات المسلحة على حدودها. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى عكس ذلك، حيث شهدت الحدود تصاعداً في الهجمات والاشتباكات، مما دفع باكستان لاتخاذ إجراءات صارمة.
التطورات الأخيرة في الأزمة الباكستانية-الأفغانية
تصاعدت حدة التوترات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، حيث شنت باكستان حملة غير مسبوقة لترحيل المهاجرين الأفغان "غير الشرعيين". بدأت هذه الحملة في أكتوبر 2023، وأسفرت عن عودة مئات الآلاف من الأفغان إلى بلادهم، مما أثار قلق المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي. بررت إسلام أباد هذه الخطوة بأنها ضرورية لأسباب أمنية واقتصادية، مشيرة إلى أن بعض هؤلاء المهاجرين يشكلون تهديداً للأمن القومي أو يساهمون في تدهور الوضع الاقتصادي.
على الصعيد الأمني، شهدت المناطق الحدودية اشتباكات متكررة بين قوات حرس الحدود الباكستانية وعناصر من حركة طالبان الأفغانية، بالإضافة إلى هجمات منسوبة لحركة طالبان باكستان داخل الأراضي الباكستانية. اتهمت باكستان كابول علناً بالفشل في الوفاء بالتزاماتها الدولية بمنع استخدام أراضيها لشن هجمات ضد دول أخرى، وهو ما نفته حكومة طالبان الأفغانية، مؤكدة أنها تعمل على تأمين حدودها.
خلفية التوتر بين الولايات المتحدة وإيران
يمتد تاريخ التوتر بين الولايات المتحدة وإيران لعقود، لكنه شهد تصاعداً حاداً بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة - JCPOA) في مايو 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية المشددة. كان الاتفاق يهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية. بعد الانسحاب الأمريكي، بدأت إيران في تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق، وزادت من تخصيب اليورانيوم، مما أثار مخاوف دولية بشأن احتمالية تطويرها لأسلحة نووية.
بالإضافة إلى القضية النووية، تشمل نقاط الخلاف الرئيسية دعم إيران للجماعات الوكيلة في المنطقة (مثل حزب الله والحوثيين والفصائل العراقية)، وتطويرها للصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الإنسان، واحتجاز مواطنين غربيين.
حرب التصريحات والاتهامات المتبادلة
في الآونة الأخيرة، تزايدت حدة التصريحات بين الجانبين بشكل ملحوظ. واشنطن تواصل التعبير عن قلقها البالغ إزاء وتيرة التقدم في البرنامج النووي الإيراني، مشددة على أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" لمنع طهران من حيازة سلاح نووي. من جانبها، ترفض إيران هذه الاتهامات وتصر على أن برنامجها النووي سلمي بحت لأغراض الطاقة والطب، وتتهم الولايات المتحدة بممارسة ضغوط قصوى غير مبررة وانتهاك القانون الدولي.
تشمل التراشقات الدبلوماسية أيضاً اتهامات أمريكية لإيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة تستخدم في حرب أوكرانيا، بالإضافة إلى دعمها لجماعات تؤثر على الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز. تنفي طهران هذه الاتهامات أو تقلل من شأنها، مؤكدة على حقها في الدفاع عن مصالحها الإقليمية.
لماذا تهم هذه التوترات؟
تعتبر هذه التوترات الإقليمية ذات أهمية بالغة لعدة أسباب:
- الاستقرار الإقليمي: يمكن أن تؤدي الأزمة بين باكستان وأفغانستان إلى زعزعة استقرار منطقة جنوب آسيا بأكملها، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتزايد نشاط الجماعات المتطرفة.
- مخاطر الانتشار النووي: يشكل التقدم في البرنامج النووي الإيراني تهديداً خطيراً لنظام عدم الانتشار النووي العالمي، ويزيد من احتمالية سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
- الأمن الدولي: تؤثر التوترات على سلاسل الإمداد العالمية، وأمن الملاحة البحرية، وجهود مكافحة الإرهاب، وتزيد من احتمالية المواجهات العسكرية المباشرة أو غير المباشرة.
- التأثير الإنساني: عمليات الترحيل والاشتباكات الحدودية لها عواقب وخيمة على حياة ملايين اللاجئين والمواطنين على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية.
تؤكد هذه المستجدات على الحاجة الملحة إلى حلول دبلوماسية مستدامة وجهود دولية منسقة لتخفيف حدة هذه الأزمات وتجنب المزيد من التصعيد، في ظل سعي الدول الكبرى لضبط التوازنات الجيوسياسية المتغيرة.