تصريحات وزير النقل المصري حول منافسة السعودية في صناعة الحديد تثير جدلاً واسعاً
أثارت تصريحات أدلى بها وزير النقل والصناعة المصري، الفريق كامل الوزير، في أواخر مايو 2024، موجة واسعة من الجدل والنقاش على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الاقتصادية. جاءت هذه التصريحات خلال افتتاح مصنع للأنابيب المركبة، حيث تحدث الوزير بصراحة عن واقع المنافسة في قطاع الحديد والصلب بالمنطقة، معتبراً أن قدرة مصر على منافسة المملكة العربية السعودية في هذا المجال محدودة للغاية.

خلفية التصريح وسياقه
جاء حديث الوزير في سياق شرحه للاستراتيجية الصناعية المصرية التي تهدف إلى التركيز على القطاعات التي تمتلك فيها البلاد مزايا تنافسية حقيقية. وأوضح أن محاولة منافسة دول تمتلك تفوقاً هيكلياً في بعض الصناعات قد لا يكون الخيار الأمثل. واستخدم صناعة الحديد والصلب كمثال، حيث أشار إلى الفجوة الكبيرة في تكاليف الإنتاج، خاصة تكاليف الطاقة، بين مصر والمملكة العربية السعودية، قائلاً بلهجة عامية: "منقدرش ننافسهم بالحديد"، وهو ما تم تداوله بشكل مكثف.
الأسباب والتحديات التي طرحها الوزير
لخص الوزير كامل الوزير الأسباب الرئيسية التي تجعل المنافسة صعبة في عدة نقاط جوهرية، تستند بشكل أساسي إلى الفوارق في تكاليف مدخلات الإنتاج، والتي تعد حاسمة في الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب. وتشمل هذه الأسباب:
- تكلفة الطاقة: أشار الوزير إلى أن سعر الغاز الطبيعي للمصانع في السعودية يبلغ حوالي 1.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما يصل في مصر إلى 4.5 دولار. هذا الفارق الهائل يمنح المصانع السعودية ميزة تنافسية ضخمة في التكلفة النهائية للمنتج.
 - توافر المواد الخام: تتمتع المملكة العربية السعودية بوفرة في المواد الخام اللازمة لصناعة الصلب، مما يقلل من تكاليف النقل والاستيراد ويدعم سلسلة التوريد المحلية.
 - الدعم الحكومي والبنية التحتية: تأتي هذه المزايا في إطار رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز القطاع الصناعي غير النفطي من خلال استثمارات ضخمة ودعم حكومي مباشر وغير مباشر للصناعات الاستراتيجية.
 
ردود الفعل والجدل المصاحب
انقسمت ردود الفعل على تصريحات الوزير بشكل حاد. فمن جهة، رأى البعض في حديثه شفافية وواقعية مطلوبة، معتبرين أن الاعتراف بالتحديات هو الخطوة الأولى نحو وضع استراتيجيات صناعية ناجحة تركز على نقاط القوة المصرية بدلاً من إهدار الموارد في معارك خاسرة. وأشاد هذا الفريق بتبني نهج عملي يهدف إلى توجيه الاستثمارات نحو صناعات مثل الأدوية، والمنسوجات، والصناعات الغذائية التي تمتلك فيها مصر بالفعل قدرة تنافسية.
على الجانب الآخر، انتقد قطاع واسع من المعلقين والخبراء هذه التصريحات، واصفين إياها بـ"الانهزامية" وأنها تبعث برسالة سلبية للمستثمرين والعاملين في القطاع الصناعي المصري. واعتبر المنتقدون أن دور الحكومة يجب أن يكون إيجاد حلول للتحديات، مثل خفض تكاليف الطاقة للمصانع أو توفير حوافز أخرى، بدلاً من إعلان عدم القدرة على المنافسة. وأثاروا تساؤلات حول مستقبل الصناعات الثقيلة في مصر إذا كانت هذه هي الرؤية الرسمية.
السياق الاقتصادي الأوسع
تأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه الصناعة المصرية تحديات متعددة، منها ارتفاع تكاليف التشغيل، وتقلبات سعر الصرف، والحاجة إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة. وفي المقابل، تشهد المملكة العربية السعودية طفرة صناعية كبرى مدفوعة باستثمارات حكومية ضخمة ضمن خططها لتنويع الاقتصاد. وبالتالي، فإن حديث الوزير يسلط الضوء على واقع المنافسة الإقليمية المتزايدة والحاجة الملحة للدول للتكيف معها عبر تحديد وتنمية مزاياها النسبية. ويبقى الجدل مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه الصراحة تشكل بداية لنهج اقتصادي جديد أم أنها مجرد اعتراف بصعوبات هيكلية عميقة تواجه الاقتصاد المصري.