تصميم سكياباريلي الغريب يثير الجدل في أسبوع الموضة بباريس
شهد عالم الأزياء الراقية في يناير 2023 حدثاً بارزاً أثار موجة واسعة من النقاش والجدل، وذلك خلال عرض مجموعة سكياباريلي للأزياء الراقية لربيع وصيف 2023 في باريس. لم يكن العرض مجرد استعراض لتصاميم أنيقة، بل تحول إلى حديث الساعة بسبب ظهور فساتين مزينة برؤوس حيوانات واقعية للغاية، مثل الأسد والذئب والنمر. هذه التصاميم، التي قدمها المدير الإبداعي للعلامة دانيال روزبيري، تحدت المفاهيم التقليدية للجمال والأناقة، ودفعت بالحدود الفنية إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعلها تُوصف بأنها «أغرب» ما عُرض في ذلك الموسم.

الخلفية التاريخية والفنية للعلامة
لطالما اشتهرت علامة سكياباريلي، التي أسستها إلسا سكياباريلي في عام 1927، بجرأتها وتفردها ومزجها للفن السريالي بالأزياء. كانت إلسا رائدة في كسر القواعد، وعرفت بتعاوناتها مع فنانين كبار مثل سلفادور دالي، حيث أنتجت تصاميم أيقونية مثل فستان "جراد البحر" وقبعة "الحذاء". بعد فترة من الركود، أعيد إحياء الدار بتعيين دانيال روزبيري مديراً إبداعياً في عام 2019، وقد سعى روزبيري إلى استعادة روح الجرأة والتجريب التي تميزت بها المؤسسة، مع لمسة معاصرة تتناسب مع العصر الحديث.
أصبح روزبيري معروفاً بتقديمه لتصاميم ضخمة ومبالغ فيها ومذهلة، تستلهم من تاريخ الدار الغني بالسريالية والغرابة. يرى في الأزياء الراقية فرصة لاستكشاف مفاهيم فنية عميقة، بعيداً عن قيود الملابس الجاهزة، ويسعى دائماً إلى إثارة الدهشة والتساؤل حول ما يمكن أن تكون عليه الموضة.
تفاصيل العرض والتصاميم المثيرة للجدل
جاء عرض مجموعة ربيع وصيف 2023 للأزياء الراقية تحت عنوان "جهنم دانتي" (Inferno Couture)، مستوحياً من تحفة دانتي أليغييري "الكوميديا الإلهية". أراد روزبيري استكشاف الرموز الأزلية للشهوة والغطرسة والجشع التي وردت في العمل الأدبي. كانت القطع الأبرز في العرض هي الفساتين التي زينت برؤوس حيوانات ضخمة ونابضة بالحياة: رأس أسد يتدلى من فستان أسود ارتدته عارضة الأزياء إيرينا شايك، ورأس ذئب على فستان آخر ارتدته نعومي كامبل، ورأس فهد على فستان أخير ارتدته شالوم هارلو. وقد ظهرت المؤثرة كايلي جينر أيضاً مرتدية الفستان برأس الأسد كضيفة في الصف الأمامي.
صُنعت هذه الرؤوس يدوياً بدقة متناهية من مواد صناعية مثل الرغوة والراتنج والصوف والحرير الصناعي، وتم تلوينها لتبدو وكأنها حيوانات حقيقية محنطة. كان الهدف من ورائها، بحسب روزبيري، هو الاحتفاء بجمال الطبيعة وقوتها، وفي الوقت نفسه تقديم نقد ساخر للمفاهيم التقليدية للصيد والجائزة. كانت هذه التصاميم بمثابة تعبير فني عن الفصول الأولى من "الكوميديا الإلهية"، حيث يواجه دانتي الوحوش التي ترمز إلى الخطايا.
ردود الفعل والجدل الواسع
بمجرد انتشار صور وفيديوهات العرض، انقسم الرأي العام والمتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. أشاد البعض بالجرأة الفنية والمهارة الحرفية التي تطلبها تنفيذ مثل هذه التصاميم، معتبرين إياها عملاً فنياً يتجاوز حدود الموضة التقليدية. رأى هؤلاء أن التصاميم كانت تثير حواراً مهماً حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ودور الفن في استفزاز التفكير.
في المقابل، واجهت التصاميم انتقادات لاذعة من قبل آخرين، خاصة من نشطاء حقوق الحيوان والجمهور الذي رأى فيها ترويجاً للعنف ضد الحيوانات أو للاصطياد التذكاري (trophy hunting). وعلى الرغم من أن العلامة أكدت أن الرؤوس مصنوعة بالكامل من مواد صناعية ولا تتضمن أي مواد حيوانية، إلا أن الجدل لم يهدأ. وحتى منظمة PETA (الجمعية الخيرية للرفق بالحيوان) علقت في البداية على التصاميم، مشيدة باستخدام الفراء الصناعي والمواد البديلة، ومعتبرة أن هذه الخطوة تبعث برسالة إيجابية حول الابتكار في الموضة الخالية من القسوة.
دلالات وأبعاد التصميم
يمثل هذا العرض نقطة تحول في النقاش الدائر حول الأخلاق في عالم الأزياء، ودور المصممين في إثارة القضايا الاجتماعية والبيئية. لم تكن تصاميم سكياباريلي مجرد ملابس، بل كانت بمثابة بيانات فنية، تهدف إلى إثارة الدهشة، وإجبار المشاهد على إعادة التفكير في القيم الجمالية والأخلاقية. لقد نجحت العلامة في تحقيق ضجة إعلامية هائلة، أعادت تسليط الضوء عليها كقوة دافعة للتغيير والابتكار في صناعة الأزياء الراقية.
أكدت هذه المجموعة رؤية دانيال روزبيري لمستقبل سكياباريلي، حيث المزج بين الماضي السريالي للدار والحاضر المعاصر، مع إصرار على دفع الحدود وتحدي التوقعات. فالتصاميم لم تكن فقط "غريبة" بل كانت أيضاً رمزاً للقوة والشهوة والحرية، مستوحاة من أعماق الأدب والفن، مما جعلها تترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة أسبوع الموضة بباريس.





