تغير المناخ يفاقم قوة أعاصير الأطلسي ويهدد بمواسم كارثية
تحذر منظمات الأرصاد الجوية العالمية والعلماء من أن المحيط الأطلسي يشهد اتجاهاً مقلقاً نحو أعاصير أكثر شدة وتدميراً، وهو ما يرجع بشكل مباشر إلى الآثار المتصاعدة لتغير المناخ. فمع ارتفاع درجات حرارة المحيطات لمستويات قياسية، تتوافر الظروف المثالية لتتغذى العواصف وتتحول إلى أعاصير كبرى بسرعة غير مسبوقة، مما ينذر بمخاطر جسيمة على المجتمعات الساحلية والبنية التحتية العالمية.

خلفية علمية: العلاقة بين حرارة المحيطات وقوة الأعاصير
تستمد الأعاصير طاقتها من المياه الدافئة لسطح المحيط. ويعمل تغير المناخ، الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة، على تسخين المحيطات بشكل مطرد. عندما تتجاوز درجة حرارة سطح البحر 26.5 درجة مئوية، فإنها توفر الوقود اللازم لتكوّن العواصف الاستوائية وتصاعد قوتها. وتشير البيانات الحديثة الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) إلى أن درجات حرارة سطح المحيط الأطلسي قد سجلت أرقاماً قياسية خلال العامين الماضيين، مما يخلق بيئة خصبة لظاهرة تُعرف بـ "التكثف السريع"، حيث تزداد سرعة رياح الإعصار بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة، مما يجعل التنبؤ بها وإجراءات الإخلاء أكثر صعوبة.
بالإضافة إلى المياه الدافئة، يساهم الغلاف الجوي الأكثر دفئاً في حمل كميات أكبر من الرطوبة، وهو ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة وفيضانات كارثية تصاحب هذه الأعاصير، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي يفاقم من خطورة العواصف الساحلية، حيث يسمح لأمواج العواصف بالتوغل لمسافات أعمق داخل اليابسة.
توقعات لموسم أعاصير استثنائي
أصدرت الوكالات المختصة، بما في ذلك المركز الوطني للأعاصير في الولايات المتحدة، توقعات تشير إلى أن موسم الأعاصير الأطلسي لعام 2024 قد يكون نشطاً بشكل استثنائي. وتستند هذه التوقعات إلى عاملين رئيسيين:
- درجات حرارة سطح البحر المرتفعة: لا تزال منطقة شمال الأطلسي تسجل درجات حرارة غير مسبوقة، مما يوفر طاقة هائلة لتكوّن العواصف.
 - تطور ظاهرة "النينا": من المتوقع أن تتطور ظاهرة "النينا" في المحيط الهادئ، والتي ترتبط تاريخياً بتقليل "قص الرياح" في المحيط الأطلسي. وقص الرياح هو التغيير في سرعة الرياح واتجاهها مع الارتفاع، والذي يمكن أن يعيق تطور الأعاصير. ومع انخفاضه، تصبح الظروف أكثر ملاءمة لنمو العواصف.
 
هذه العوامل مجتمعة دفعت خبراء الأرصاد إلى التحذير من موسم قد يشهد عدداً أعلى من المتوسط من العواصف المسماة والأعاصير الكبرى (من الفئة الثالثة فأعلى).
التأثيرات المحتملة والمخاطر المتزايدة
إن زيادة شدة الأعاصير لا تعني فقط رياحاً أسرع، بل تحمل معها سلسلة من التهديدات المتشابكة. فالعواصف الأقوى قادرة على إحداث دمار واسع النطاق في البنية التحتية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والطرق والمباني، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. كما تتعرض المجتمعات الساحلية، خاصة في منطقة البحر الكاريبي والساحل الشرقي للولايات المتحدة، لخطر متزايد من الفيضانات الساحلية المميتة. علاوة على ذلك، تؤثر هذه الظواهر المناخية المتطرفة على النظم البيئية الحساسة مثل الشعاب المرجانية وغابات المانجروف التي تشكل خط دفاع طبيعي ضد العواصف.
نظرة مستقبلية ودعوات للتحرك
يؤكد المجتمع العلمي أن الاتجاه نحو أعاصير أطلسية أكثر قوة ليس ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة مباشرة وملموسة لتغير المناخ. ويشدد الخبراء على ضرورة اتخاذ إجراءات مزدوجة: الأولى هي التخفيف من حدة تغير المناخ عبر خفض الانبعاثات العالمية بشكل جذري، والثانية هي التكيف مع الواقع الجديد من خلال تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتطوير بنية تحتية أكثر مرونة، وتطبيق استراتيجيات فعالة لإدارة المناطق الساحلية. وبدون اتخاذ خطوات حاسمة، ستستمر تكلفة التقاعس في الارتفاع، ليس فقط على الصعيد المالي، بل أيضاً على صعيد الأرواح البشرية واستقرار المجتمعات.





