كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة «أموندي» الفرنسية لإدارة الأصول، ونقلت عنها وكالة الأنباء الهندية، أن الهند تحقق تقدماً مطرداً في قطاع التكنولوجيا الآسيوي، مدفوعةً بتعاون وثيق وفعّال بين القطاعين العام والخاص. هذا التقرير، الذي يُقدر تاريخ نشره في أواخر عام 2023 أو أوائل عام 2024، يسلط الضوء على تحول الهند من مجرد مركز لتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات إلى قوة دافعة للابتكار والتطوير التكنولوجي على مستوى القارة.

الخلفية والسياق التاريخي
تتمتع الهند بتاريخ طويل وراسخ في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث بدأت رحلتها كمصدر رئيسي لخدمات البرمجيات والاستعانة بمصادر خارجية عالمية منذ عقود. وقد بُني هذا الأساس بفضل مجموعتها الواسعة من المهندسين المهرة والمتحدثين باللغة الإنجليزية، مما منحها ميزة تنافسية فريدة. ومع مرور الوقت، تطور المشهد التكنولوجي الهندي، مدعومًا بمبادرات حكومية طموحة مثل برنامج «الهند الرقمية» (Digital India) و «الهند الناشئة» (Startup India). هدفت هذه المبادرات إلى تحسين البنية التحتية الرقمية، وتشجيع ريادة الأعمال، وتوفير بيئة مواتية للابتكار، مما ساهم في صياغة نظام بيئي تكنولوجي حيوي.
نتائج تقرير «أموندي» ومحركات النمو
وفقاً للتحليل الصادر عن «أموندي»، يكمن جوهر التقدم الهندي في التنسيق الاستراتيجي بين سياسات الحكومة وديناميكية القطاع الخاص. توفر الحكومة الدعم التشريعي والتنظيمي، فضلاً عن بناء بنى تحتية رقمية عامة واسعة النطاق مثل نظام الهوية الرقمية «آدهار» (Aadhaar) ونظام المدفوعات الموحدة «يو بي آي» (UPI). وقد استغل القطاع الخاص هذه المنصات لابتكار حلول وخدمات جديدة، مما أدى إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي في البلاد. يشير التقرير إلى أن الهند شهدت نموًا ملحوظًا في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية (Fintech)، والذكاء الاصطناعي، وتطوير البرمجيات، والتقنيات العميقة (Deep Tech)، حيث تستقطب الشركات الناشئة الهندية استثمارات كبيرة وتكتسب اعترافًا عالميًا.
تطورات حديثة وتأثيرها
شهدت السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في منظومة الشركات الناشئة الهندية، مما أدى إلى ظهور عدد قياسي من شركات «اليونيكورن» (الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار). وتزايدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا، مما يعكس الثقة الدولية المتزايدة في الإمكانات الهندية. نظام المدفوعات الموحدة «يو بي آي»، على وجه الخصوص، أصبح نموذجًا عالميًا يحتذى به في مجال المدفوعات الرقمية الفورية. علاوة على ذلك، تبذل الهند جهودًا حثيثة لتصبح مركزًا لتصميم وتصنيع أشباه الموصلات، مدعومة بحوافز حكومية قوية، مما يعزز من قدراتها الصناعية والتكنولوجية.
الأهمية الإقليمية والتنافسية
إن التقدم التكنولوجي الهندي يحمل تداعيات عميقة للمشهد الآسيوي بأكمله. فهو يقدم نموذجًا بديلاً للابتكار في المنطقة، ويضيف سوقًا كبيرًا ومجموعة مواهب متنامية للشركات التكنولوجية العالمية. تساهم قدرات الهند المتزايدة على الابتكار والاعتماد على الذات في بناء نظام بيئي تكنولوجي آسيوي أكثر تنوعًا ومرونة. ويضع التقرير الهند ليس فقط كمستهلك للتكنولوجيا بل كمنتج ومبتكر رئيسي لها، مما يعيد تشكيل التوازنات التكنولوجية الإقليمية ويزيد من أهميتها الاستراتيجية.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من التقدم السريع، لا تزال هناك تحديات يتعين على الهند مواجهتها، منها سد الفجوة الرقمية في المناطق الريفية، وتعزيز الأمن السيبراني، وتأهيل القوى العاملة لمواكبة أحدث التطورات في التكنولوجيات الناشئة. ومع ذلك، فإن التقرير يحافظ على نظرة متفائلة، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الاستراتيجية المستمرة والشراكة الفعّالة بين القطاعين العام والخاص ستعمل على ترسيخ مكانة الهند كقائد تكنولوجي عالمي، مما يضمن استمرارية تقدمها وتأثيرها المتزايد في المستقبل المنظور.





