جدل حول موضة حقن الشعر الرمادي: أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب
تصدرت تقنية جديدة في عالم الجمال والعناية بالشعر عناوين الأخبار مؤخرًا، وهي موضة حقن الشعر الرمادي، التي يُروج لها كحل ثوري للقضاء على الشيب واستعادة لون الشعر الطبيعي. ومع تزايد انتشار هذه الممارسة، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي التي يروج لها مؤثرون وشخصيات عامة، تصاعد الجدل حول فعاليتها ومأمونيتها، حيث يحذر الخبراء والجهات الصحية من كونها «أداة غير مضمونة» تفتقر إلى أي أساس علمي أو إثباتات سريرية قوية.

الشرارة الأولية لهذا النقاش العالمي جاءت بعد إعلان شخصيات معروفة، مثل الممثلة الصينية جو تونج، عن خضوعها لهذا العلاج، مشيرة إلى آمالها في استعادة لون شعرها الأصلي. وقد أثارت هذه الإعلانات، التي انتشرت بسرعة على منصات مثل Douyin (النسخة الصينية من تيك توك)، فضول الكثيرين وأدت إلى تزايد الإقبال على هذه الحقن في عدد من عيادات التجميل حول العالم، على الرغم من غياب الموافقة التنظيمية والتحذيرات المتزايدة.
ما هي حقن الشعر الرمادي وماذا تدعي؟
تُسوق حقن الشعر الرمادي، التي تُعرف أحيانًا بـ«حقن استعادة الميلانين» أو «علاجات مكافحة الشيب»، على أنها حل مباشر لمشكلة فقدان الشعر لصبغته. وتزعم الشركات والعيادات التي تقدمها أنها تحتوي على مزيج من المكونات النشطة التي تستهدف البصيلات لتحفيز إنتاج الميلانين، وهي الصبغة المسؤولة عن لون الشعر الطبيعي. وتشمل هذه المكونات المزعومة غالبًا الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة والببتيدات وعوامل النمو، وحتى بعض المشتقات من الخلايا الجذعية، ولكن التركيبات الدقيقة غالبًا ما تكون غامضة وغير معلنة بشكل كامل.
يتم تطبيق هذه الحقن مباشرة في فروة الرأس، وتُقدم للمستهلكين كبديل دائم لصبغات الشعر الكيميائية أو حل طبيعي لمشكلة الشيب التي تؤثر على الثقة بالنفس والمظهر الجمالي للكثيرين. وتتفاوت التكلفة بشكل كبير، مما يجعلها متاحة لشريحة واسعة من المهتمين بالجمال.
نقص الأدلة العلمية والتحذيرات الطبية
رغم الترويج المكثف، لا توجد حتى الآن دراسات علمية موثوقة ومنشورة في مجلات طبية محكمة تدعم فعالية حقن الشعر الرمادي أو سلامتها على المدى الطويل. وقد أعرب أطباء الجلد وأخصائيو الشعر عن قلقهم البالغ إزاء هذه الممارسة، مؤكدين أن الوعود بتحويل الشعر الأبيض إلى لونه الأصلي عبر الحقن تفتقر إلى أي أساس بيولوجي مثبت.
- غياب التجارب السريرية: لا توجد تجارب سريرية واسعة النطاق ومراقبة لإثبات الادعاءات التسويقية. تعتمد غالبية المزاعم على شهادات فردية وصور “قبل وبعد” غير موثقة.
- المخاطر الصحية المحتملة: يحذر الخبراء من مجموعة من المخاطر المحتملة المرتبطة بالحقن المباشر في فروة الرأس، بما في ذلك:
- التهابات فروة الرأس والحساسية.
- تهيج الجلد وتورمه.
- تندب في مناطق الحقن.
- تساقط الشعر في بعض الحالات.
- المخاطر المرتبطة بالمكونات غير المعروفة أو غير الخاضعة للرقابة.
- الوضع التنظيمي: لم تحصل هذه الحقن على موافقة من هيئات تنظيم الأدوية الرئيسية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أو الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA)، مما يعني أنها لا تخضع لنفس معايير السلامة والفعالية التي تخضع لها الأدوية والعلاجات الطبية المثبتة.
وفي بيان صدر أوائل الشهر الجاري، حذرت الجمعية الوطنية لطب الجلد من الانسياق وراء هذه العلاجات غير المعتمدة، داعية الجمهور إلى استشارة الأطباء المختصين والتحقق من الخلفية العلمية لأي علاج تجميلي قبل الخضوع له.
انتشار الظاهرة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي
يُعد صعود حقن الشعر الرمادي جزءًا من ظاهرة أوسع، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في الترويج لاتجاهات الجمال الجديدة، حتى تلك التي تفتقر إلى الدعم العلمي. يقوم المؤثرون والشخصيات العامة بمشاركة تجاربهم الشخصية، وغالبًا ما يقدمون نتائج مبالغًا فيها أو غير دقيقة، مما يخلق توقعات غير واقعية لدى المتابعين.
وقد أشار تقرير حديث نشره موقع إخباري متخصص في الصحة والجمال إلى أن تزايد البحث عن مصطلحات مثل “علاج الشيب بالحقن” على محركات البحث العالمية يعكس مدى اهتمام الجمهور بهذه الحلول السريعة. كما يلاحظ أن العديد من العيادات التجميلية، بدافع المنافسة أو الرغبة في جذب العملاء، بدأت في تقديم هذه الحقن كخدمة، متجاهلة التحذيرات الطبية.
لماذا يهم هذا الأمر؟
تُعد هذه القضية مهمة لعدة أسباب تتعلق بالصحة العامة وحماية المستهلك والمعايير الأخلاقية للممارسات الطبية:
- سلامة المستهلك: يجب حماية الأفراد من العلاجات التي قد تسبب ضررًا جسديًا أو ماليًا دون تقديم فائدة حقيقية.
- المعلومات المضللة: تساهم هذه الظاهرة في انتشار المعلومات الصحية المضللة وتضعف الثقة في المشورة الطبية المبنية على الأدلة.
- الأخلاقيات الطبية: يطرح تقديم علاجات غير مثبتة أسئلة حول المسؤولية الأخلاقية للممارسين والمؤسسات الطبية.
- العبء الاقتصادي: يدفع المستهلكون مبالغ باهظة مقابل علاجات قد تكون عديمة الجدوى، مما يؤثر على مواردهم المالية.
في الختام، بينما يستمر البحث العلمي عن حلول فعالة ودائمة لمشكلة الشيب، تظل حقن الشعر الرمادي موضة تثير القلق وتُصنف كأداة «غير مضمونة» لا ينصح بها الخبراء. تبقى النصيحة الأساسية هي استشارة أطباء الجلد المؤهلين والاعتماد على العلاجات المثبتة علميًا، وتجنب الانسياق وراء الوعود غير المدعومة بأدلة.





