جهود دبلوماسية مكثفة لإنقاذ هدنة غزة وسط اتهامات متبادلة
تشهد جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة مرحلة حرجة، حيث تتواصل المباحثات المكثفة بوساطة دولية تقودها كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر. ورغم التفاؤل الحذر الذي ساد في بعض المراحل، لا تزال المفاوضات تصطدم بعقبات كبيرة وخلافات جوهرية بين موقفي حركة حماس وإسرائيل، الأمر الذي يبقي الهدنة المنشودة بعيدة المنال وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.

خلفية المفاوضات والمقترحات المطروحة
في الأسابيع الأخيرة، كثف الوسطاء الدوليون ضغوطهم على الطرفين للقبول بخارطة طريق تهدف إلى إنهاء القتال بشكل دائم. وقد تمحورت أحدث المبادرات حول مقترح طرحه الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي يتضمن ثلاث مراحل رئيسية. تبدأ المرحلة الأولى بهدنة مؤقتة لمدة ستة أسابيع، يتم خلالها تبادل عدد من المحتجزين الإسرائيليين بأسرى فلسطينيين، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية. تليها مراحل لاحقة تتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي، والبدء في خطة إعادة إعمار شاملة لغزة.
نقاط الخلاف الرئيسية
يكمن جوهر الخلاف في تباين الأهداف النهائية لكل طرف. فبينما تسعى إسرائيل إلى استعادة جميع محتجزيها وتفكيك القدرات العسكرية والسياسية لحماس، تشترط الحركة الحصول على ضمانات واضحة بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع قبل المضي قدمًا في أي اتفاق.
- موقف حماس: تشدد الحركة على ضرورة أن يتضمن أي اتفاق نصًا صريحًا على وقف دائم للحرب. وقد قدمت الحركة تعديلات على المقترحات الأخيرة لضمان تحقيق هذا المطلب، معتبرة أن أي هدنة مؤقتة لا تؤدي إلى إنهاء شامل للقتال هي مجرد تكتيك إسرائيلي لإعادة ترتيب صفوف الجيش واستئناف العمليات العسكرية لاحقًا.
 - موقف إسرائيل: ترفض الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الالتزام بإنهاء الحرب كشرط مسبق. وتؤكد على أن أهدافها العسكرية لم تتحقق بالكامل، وأنها لن تتخلى عن حقها في القضاء على ما تعتبره تهديدًا أمنيًا. ويواجه نتنياهو ضغوطًا شديدة من شركائه في الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف، الذين يهددون بإسقاط الحكومة في حال الموافقة على اتفاق يعتبرونه تنازلاً.
 
اتهامات متبادلة بعرقلة الجهود
وسط هذه الخلافات، يتبادل الطرفان الاتهامات بعرقلة المفاوضات. حيث صرح مسؤولون أمريكيون في مناسبات عدة بأن حماس هي العائق الرئيسي أمام التوصل إلى اتفاق، متهمين إياها بتغيير مواقفها وتقديم مطالب غير واقعية. في المقابل، تتهم حماس والوسطاء الإقليميون إسرائيل بعدم الجدية في التفاوض واستخدام المباحثات كغطاء لمواصلة عملياتها العسكرية في غزة، لا سيما في مدينة رفح. كما تشير تقارير إلى أن الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية تعيق التوصل إلى موقف موحد يمكن البناء عليه.
التأثير الإنساني والوضع الميداني
مع استمرار تعثر الدبلوماسية، يتواصل تدهور الوضع الإنساني في غزة بوتيرة متسارعة. وتحذر المنظمات الدولية من أن القطاع على شفا مجاعة، مع انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية واستمرار العمليات العسكرية التي تسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين يوميًا. وتبقى قضية فتح المعابر الحدودية، خاصة معبر رفح، وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومستدام، جزءًا لا يتجزأ من أي محادثات جارية، حيث إن استمرار الحصار يزيد من تعقيد الموقف ويفاقم من معاناة السكان.
وفي ظل هذه المعطيات، تبقى الأنظار متجهة نحو العواصم المعنية بالوساطة، على أمل أن تتمكن الضغوط الدبلوماسية من جسر الهوة بين الطرفين والتوصل إلى اتفاق ينهي القتال ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار وإعادة الإعمار.




