جهود مصرية أمريكية لوقف إطلاق النار فورًا في السودان والبرهان يتوعد بمحاسبة مرتكبي الجرائم
في ظل استمرار الصراع المدمر في السودان لأكثر من عام، تصاعدت في الأيام الأخيرة الضغوط الدبلوماسية الدولية، حيث كثفت مصر والولايات المتحدة دعواتهما للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار. وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع تصريحات شديدة اللهجة من قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي توعد بمحاسبة من وصفهم بـ«المجرمين» المسؤولين عن ارتكاب فظائع بحق الشعب السوداني، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

التحرك الدبلوماسي المشترك
أكدت كل من القاهرة وواشنطن على الضرورة الملحة لإنهاء القتال لحماية المدنيين ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية في البلاد. وشددت البيانات المشتركة والمباحثات الثنائية بين مسؤولي البلدين على أهمية الحفاظ على سيادة السودان ووحدة أراضيه ومؤسساته الوطنية. تعكس هذه الجهود قلقًا إقليميًا ودوليًا متزايدًا من تداعيات الحرب، التي لا تهدد استقرار السودان فحسب، بل تمتد آثارها إلى دول الجوار والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وتسعى مصر، التي تشترك في حدود طويلة مع السودان وتستضيف مئات الآلاف من اللاجئين، إلى تأمين حدودها ومنع انهيار الدولة السودانية، بينما تركز الولايات المتحدة على منع المزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتجنب حرب أهلية طويلة الأمد.
موقف الفريق البرهان وتصريحاته الأخيرة
على الصعيد الميداني، يواصل الفريق البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد القوات المسلحة السودانية، حشد الدعم الداخلي والخارجي لموقف الجيش. وفي خطاباته الأخيرة، أكد أن لا تفاوض أو سلام مع قوات الدعم السريع إلا بعد إنهاء ما وصفه بـ«التمرد». وقد اتهم البرهان قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب ممنهجة، بما في ذلك القتل والنهب والعنف الجنسي والتطهير العرقي في مناطق مختلفة من البلاد، خاصة في إقليم دارفور والعاصمة الخرطوم. وتأتي هذه التصريحات في سياق محاولة الجيش تقديم نفسه كحامٍ للدولة ومؤسساتها الشرعية، مقابل تصوير قوات الدعم السريع كـ«ميليشيا متمردة وإجرامية» يجب القضاء عليها.
خلفية الصراع المستمر
اندلع النزاع الحالي في أبريل 2023 نتيجة تصاعد التوترات بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكان الجنرالان حليفين سابقين في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وشريكين في السلطة خلال الفترة الانتقالية. إلا أن الخلافات تفجرت حول خطة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهي خطوة أساسية ضمن الاتفاق الإطاري الذي كان يهدف إلى إعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي. وسرعان ما تحول الخلاف السياسي إلى مواجهة عسكرية شاملة، أغرقت العاصمة والعديد من المدن الأخرى في دوامة من العنف.
الأزمة الإنسانية وتداعياتها
أدت الحرب إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث فاقت تداعياتها كل التوقعات. وتشير التقارير الأممية والدولية إلى حقائق مروعة على الأرض، من بينها:
- أكبر أزمة نزوح في العالم: فرّ الملايين من منازلهم، حيث تحول أكثر من 8 ملايين شخص إلى نازحين داخليًا، بينما لجأ أكثر من مليونين آخرين إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان.
- خطر المجاعة: يواجه ما يقرب من 18 مليون سوداني، أي أكثر من ثلث السكان، انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، مع تحذيرات أممية من أن بعض المناطق قد تنزلق إلى مجاعة وشيكة.
- انهيار القطاع الصحي: تم تدمير أو إغلاق ما يقرب من 80% من المستشفيات والمرافق الصحية في مناطق النزاع، مما ترك الملايين دون رعاية طبية أساسية في وقت تنتشر فيه الأمراض.
- انتهاكات جسيمة: وثقت منظمات حقوقية دولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع من قبل طرفي النزاع، بما في ذلك هجمات عشوائية على المدنيين وعنف جنسي ممنهج وقتل على أساس عرقي.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة الدعوات الدبلوماسية إلى واقع ملموس على الأرض، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وإجبار الأطراف المتحاربة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوداني.





