جوجل تحذر من صعوبة تطبيق حظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عامًا في أستراليا
تُواصل أستراليا جهودها الحثيثة لتطبيق تدابير صارمة لسلامة الأطفال على الإنترنت، وتبرز في طليعة هذه الجهود مقترح يحظر على المستخدمين دون سن 16 عامًا الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي. يهدف هذا التشريع المقترح، الذي يحظى بدعم حكومي قوي، إلى حماية القُصّر من المخاطر المتزايدة عبر الإنترنت، مثل التنمر الإلكتروني والمحتوى غير اللائق والتأثيرات السلبية المحتملة على الصحة العقلية. ومع اقتراب المراحل التشريعية الحاسمة لهذا المقترح، أعربت شركات التكنولوجيا الكبرى، وعلى رأسها جوجل، عن مخاوف عميقة بشأن الجدوى العملية والتداعيات المحتملة لهذا الحظر.

خلفية وتطورات المقترح الأسترالي
لطالما كانت الحكومة الأسترالية، ممثلة في مفوضية السلامة الإلكترونية (eSafety Commissioner)، من الرواد العالميين في مجال تنظيم الفضاء الرقمي لحماية مستخدميه، وخاصة الأطفال. نشأت الدعوات لفرض قيود عمرية أكثر صرامة على وسائل التواصل الاجتماعي من تقارير متزايدة حول تدهور الصحة النفسية للمراهقين وارتفاع معدلات التعرض للمضايقات والمحتوى الضار عبر الإنترنت. تسعى الحكومة الأسترالية حاليًا إلى فرض نظام تحقق إلزامي من العمر للوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول طموحًا في هذا المجال.
تشمل الخطوات التشريعية الحالية مناقشات داخل لجان برلمانية متخصصة تستعرض المقترح من جميع جوانبه، وتستمع إلى آراء الخبراء وممثلي الصناعة والمدافعين عن حقوق الطفل. وقد تم تقديم مشروع القانون في أوائل عام 2024، ويتوقع أن يواجه نقاشات مستفيضة قبل إقراره النهائي. هذه الجهود تأتي في سياق عالمي أوسع، حيث تتزايد المطالبات من الحكومات والهيئات الرقابية بضرورة تنظيم أكبر لمنصات التواصل الاجتماعي للحد من آثارها السلبية المحتملة على الشباب.
مخاوف جوجل الرئيسية من تطبيق الحظر
في تصريحاتها ومذكراتها الرسمية المقدمة للمشرّعين الأستراليين في الآونة الأخيرة، شددت شركة جوجل على أن الهدف النبيل المتمثل في حماية الأطفال قد يصطدم بعقبات عملية كبيرة عند محاولة تطبيق حظر شامل. تتركز مخاوف جوجل، التي تعد واحدة من أكبر الجهات الفاعلة في مجال التكنولوجيا، حول عدة نقاط أساسية:
- التحديات التقنية المعقدة للتحقق من العمر: ترى جوجل أن إنشاء نظام فعال وموثوق للتحقق من العمر بدقة عبر ملايين الحسابات والمنصات المختلفة يمثل تحديًا تقنيًا هائلاً. لا توجد حاليًا تقنية عالمية موحدة يمكنها ضمان التحقق الدقيق من العمر دون ثغرات، مما يفتح الباب أمام التحايل.
- قضايا الخصوصية وحماية البيانات: لكي يعمل نظام التحقق من العمر، سيتطلب ذلك جمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية الحساسة من المستخدمين، بمن فيهم القُصّر. وهذا يثير مخاوف جدية بشأن كيفية جمع هذه البيانات، وتخزينها، وحمايتها من الاختراقات، وما إذا كانت ستُستخدم لأغراض أخرى، مما قد يشكل خطرًا أكبر على خصوصية الأطفال بدلًا من حمايتهم.
- سهولة التحايل على القيود: حذرت جوجل من أن الشباب، بمهاراتهم الرقمية العالية، يمكنهم بسهولة تجاوز الحظر باستخدام شبكات افتراضية خاصة (VPNs)، أو وثائق هوية مزورة، أو ببساطة استخدام حسابات آبائهم أو أشقائهم الأكبر سنًا. هذا من شأنه أن يجعل القانون غير فعال وقد يدفع الأطفال إلى منصات أقل أمانًا وغير خاضعة للرقابة.
- التأثير السلبي على وصول الشباب للمعلومات والموارد: يمكن أن يؤدي الحظر الشامل إلى منع الأطفال من الوصول إلى محتوى تعليمي قيم، أو مجموعات دعم صحية، أو فرص للتواصل الاجتماعي البناء، مما قد يعزلهم عن موارد مهمة لتطورهم الشخصي والتعليمي.
- التحديات التشغيلية العالمية: بالنسبة للشركات العالمية التي تعمل عبر ولايات قضائية متعددة، فإن تطبيق لوائح فريدة وصارمة مثل هذه في بلد واحد دون وجود معيار دولي موحد يخلق تعقيدات تشغيلية هائلة، ويمكن أن يؤدي إلى تجزئة الإنترنت.
الآثار الأوسع وردود الفعل
يُبرز النقاش الدائر حول المقترح الأسترالي التوتر المتزايد بين رغبة الحكومات في حماية مواطنيها رقميًا وبين القدرات العملية والتحديات التي تواجه شركات التكنولوجيا في تطبيق هذه اللوائح. لا تقتصر ردود الأفعال على شركات التكنولوجيا فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعات الدفاع عن الحريات المدنية التي تعرب عن قلقها بشأن احتمال أن يؤدي التحقق الإلزامي من العمر إلى فرض رقابة مفرطة أو إنشاء بنية تحتية للمراقبة الرقمية. يدعو العديد من الخبراء إلى نهج متعدد الأوجه يجمع بين تعزيز محو الأمية الرقمية، وتوفير أدوات قوية للرقابة الأبوية، وتحسين آليات الإبلاغ عن المحتوى الضار، بدلًا من الاعتماد الكلي على حظر شامل.
لا يزال مستقبل هذا التشريع غير مؤكد، حيث يوازن المشرّعون بين الحاجة الملحة لحماية الأطفال والحق في الخصوصية وحرية الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى التحديات التقنية الهائلة. قد تكون أستراليا رائدة في هذا المجال، لكن الطريقة التي ستتمكن بها من معالجة هذه المخاوف ستحدد مدى نجاح هذا النموذج وإمكانية تبنيه في دول أخرى حول العالم.




