جورج خباز: حضور فني متفرد يرتقي بالمشهد الثقافي
شهدت مدينة الرباط المغربية في الفترة ما بين 8 و14 نوفمبر 2025 حدثًا ثقافيًا بارزًا تمثل في الدورة الثلاثين لـ مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف. وفي أمسية استثنائية ضمن فعاليات المهرجان، كان الممثل والمؤلف والمخرج اللبناني جورج خباز محط الأنظار، حيث صعد إلى خشبة مسرح محمد الخامس العريق لتسلم تكريمٍ يضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات. لم يكن هذا التكريم مجرد احتفاء بمسيرة فنان فحسب، بل بدا وكأنه رسالة أعمق تحتفي بمفهوم الفن بحد ذاته.

خلفية التكريم ودلالاته
ما ميّز لحظة تكريم خباز هو الإجماع على أن حضور فنه يمثل قيمة تتجاوز مجرد الإبهار. فالفن، كما يرى كثيرون في أعمال خباز، هو مرآة تعكس الواقع الإنساني بكل تعقيداته، ويحمل في طياته صدقًا قادرًا على اختراق جدران القسوة واليأس. إن أعماله الفنية، سواء في المسرح أو السينما، لطالما دعت إلى التأمل في الذات والمجتمع، وقدمت منظورًا يرى الفن كأداة للتغيير الإيجابي والتذكير بالإنسانية المشتركة.
مسيرة فنية استثنائية
يُعد جورج خباز واحدًا من أبرز وجوه الفن اللبناني والعربي المعاصر، وقد بنى مسيرته على أساس من الموهبة المتعددة الأوجه والالتزام بقضايا مجتمعه. انطلقت مسيرته الفنية في المسرح، حيث ألف وأخرج ومثل في عشرات الأعمال التي لاقت رواجًا واسعًا، وتميزت بقدرتها على المزج بين الكوميديا السوداء والنقد الاجتماعي العميق والبعد الفلسفي. من مسرحياته البارزة التي تركت بصمة واضحة نذكر «كذبة بيضا» و«ناطرينو» و«إلى حد ما» و«بالكاد» وغيرها، والتي غالبًا ما تناولت قضايا الهجرة، الفساد، الصراعات الداخلية، والبحث عن الهوية في مجتمع مضطرب.
لم يقتصر إبداع خباز على المسرح، بل امتد ليشمل السينما والتلفزيون. فقد شارك في بطولة أفلام سينمائية نالت إشادة النقاد، مثل «غدي» و«كفرناحوم» الذي ترشح لجائزة الأوسكار، وأعمال تلفزيونية عديدة. هذه الأعمال عززت مكانته كفنان شامل، قادر على التعبير عن مكنونات النفس البشرية والتحديات الاجتماعية بأسلوب فريد يجمع بين الواقعية والشعرية.
مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف
اختيار مهرجان مرموق مثل مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف لتكريم جورج خباز يحمل دلالات عميقة. فالمهرجان، الذي يحتفي بدوره الثلاثين، يُعرف بتركيزه على الأفلام التي تحمل رؤية مؤلفيها وتجاربهم الإنسانية والفنية الأصيلة، بعيدًا عن التوجهات التجارية البحتة. تكريم فنان مثل خباز، الذي طالما شدد على أهمية المحتوى العميق والرسالة الهادفة في أعماله، يتماشى تمامًا مع فلسفة المهرجان ورسالته في الارتقاء بالسينما كفن وإنسانية. إن هذا التكريم يؤكد على أن أعمال خباز، سواء المسرحية أو السينمائية، تحمل تلك الروح «المؤلفة» التي يبحث عنها المهرجان، والتي تجعل العمل الفني مرآة للروح والمجتمع.
الأثر والرسالة
إن تكريم قامة فنية بحجم جورج خباز في مهرجان دولي مرموق ليس مجرد احتفال بفنان، بل هو إقرار بأهمية الفن الملتزم والجاد في تشكيل الوعي وفتح آفاق جديدة للتفكير. تبعث هذه اللحظة رسالة قوية إلى الأجيال الجديدة من الفنانين، مفادها أن الصدق الفني والالتزام بالقيم الإنسانية يمكن أن يحققا الاعتراف والتقدير على أوسع نطاق. كما يساهم هذا الحدث في تعزيز التبادل الثقافي بين لبنان والمغرب، ويبرز الدور المحوري للفنانين العرب في إثراء المشهد الثقافي العالمي. ففي زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات ويواجه العالم تحديات جسيمة، يظل الفن، كما يجسده خباز، منارة للأمل والقدرة على إعادة بناء الوعي والأرواح.
وبهذا التكريم، يظل جورج خباز مثالًا حيًا للفنان الذي يمزج بين الإبداع الفني العميق والالتزام الإنساني، مؤكدًا أن الفن الراقي هو الذي لا ينفصل عن نبض الحياة وهموم الإنسان، ويحمل دائمًا دعوة للتغيير نحو الأفضل.




