جولة ملك بلجيكا الأثرية في سقارة وأبو صير عقب افتتاح المتحف المصري الكبير
شهدت مصر زيارة ملكية رفيعة المستوى من بلجيكا، حيث أجرى ملك بلجيكا فيليب جولة خاصة ومكثفة في المنطقتين الأثريتين بسقارة وأبو صير، وذلك في أعقاب حضوره المرموق لاحتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير. تأتي هذه الجولة كجزء من زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز الروابط الثقافية والدبلوماسية بين البلدين، وتسليط الضوء على الإرث الحضاري الفريد لمصر الذي يمثل نقطة جذب عالمية.

خلفية الزيارة الملكية والعلاقات الدبلوماسية
تعد زيارة ملك بلجيكا فيليب لمصر حدثًا دبلوماسيًا مهمًا يؤكد على عمق العلاقات الثنائية بين القاهرة وبروكسل. لطالما حافظ البلدان على علاقات قوية مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك التجارة، السياسة، والثقافة. هذه الزيارة ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل هي فرصة لتعزيز التفاهم الثقافي ومد جسور التعاون في مجال الحفاظ على التراث والترويج له، وهو ما يبرز الأهمية المتزايدة للدبلوماسية الثقافية في العلاقات الدولية المعاصرة.
لقد تم التخطيط لهذه الزيارة بعناية لتمكين الملك من المشاركة في حدث تاريخي كبير وهو افتتاح المتحف المصري الكبير، إلى جانب استكشاف بعض من أقدم وأهم المواقع الأثرية في البلاد. يعكس جدول أعمال الملك في مصر اهتمام بلجيكا ليس فقط بالجوانب الاقتصادية والسياسية، بل أيضًا بالجوانب الثقافية والتاريخية العميقة التي تقدمها مصر للعالم، مما يعزز من مكانتها كوجهة ثقافية وسياحية رئيسية.
المتحف المصري الكبير: أيقونة ثقافية عالمية
كان حضور ملك بلجيكا فيليب لافتتاح المتحف المصري الكبير، الذي طال انتظاره، هو المحطة الأبرز في جدول أعماله الرسمي. يمثل المتحف المصري الكبير، الواقع بالقرب من أهرامات الجيزة، أحد أضخم متاحف الآثار في العالم والمشروع الثقافي الأبرز في مصر الحديثة. يهدف المتحف إلى عرض كنوز الحضارة المصرية القديمة بطريقة عصرية ومبتكرة، ويضم آلاف القطع الأثرية التي لم تُعرض من قبل، بما في ذلك المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون.
افتتاح هذا الصرح الثقافي الضخم لا يمثل فقط إنجازًا معماريًا وهندسيًا، بل هو أيضًا نقطة تحول في استراتيجية مصر للحفاظ على تراثها والترويج له عالميًا. من المتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنويًا، مما يعزز قطاع السياحة المصري ويسهم في تعريف الأجيال الجديدة والقادمين من جميع أنحاء العالم بعظمة الحضارة المصرية القديمة وإنجازاتها. مشاركة قادة العالم في افتتاحه تضفي بعدًا دوليًا على هذا الحدث وتؤكد على مكانته كمعلم ثقافي عالمي.
سقارة وأبو صير: رحلة إلى عمق التاريخ الفرعوني
بعد المشاركة في الاحتفالات الرسمية، توجه ملك بلجيكا فيليب في جولة خاصة إلى منطقتي سقارة وأبو صير الأثريتين، وهما من أهم المواقع التي تعود لعصر الدولة القديمة في مصر. رافقه خلال هذه الزيارة السفير بارت دي جروف، سفير بلجيكا بالقاهرة، في إشارة إلى الأهمية التي توليها البعثة الدبلوماسية البلجيكية لهذا الجانب من الزيارة. تقع سقارة جنوب الجيزة وهي بمثابة جبانة ملكية ضخمة وموقع أثري لا يقدر بثمن، اشتهرت بوجود هرم سقارة المدرج، وهو أول بناء حجري ضخم في التاريخ، والذي بناه المهندس إيمحوتب للملك زوسر من الأسرة الثالثة.
تُعد سقارة مختبرًا حيًا للاكتشافات الأثرية المستمرة، حيث كشفت الحفريات الحديثة عن العديد من الكنوز والمقابر التي توفر فهمًا أعمق للحياة اليومية والمعتقدات الجنائزية للمصريين القدماء. زيارة ملكية لمثل هذا الموقع تؤكد على القيمة العالمية للتراث المصري وقدرته على إبهار الزوار من مختلف الخلفيات والثقافات.
أما أبو صير، فتقع إلى الشمال من سقارة وتُعرف بكونها جبانة ملكية أخرى من عصر الدولة القديمة، وتحوي عدة أهرامات لمعاصري الأسرة الخامسة، بالإضافة إلى معابد الشمس التي كرست لعبادة إله الشمس رع. على الرغم من أن أهرامات أبو صير قد لا تكون بنفس ضخامة أهرامات الجيزة، إلا أنها ذات أهمية كبرى لدراسة العمارة الجنائزية والمعتقدات الدينية لتلك الفترة. هذه المواقع الأثرية، مجتمعة، تقدم لمحة فريدة عن تطور الفن والعمارة والدين في واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية.
أهمية الزيارة وتأثيرها
تحمل جولة ملك بلجيكا فيليب في سقارة وأبو صير دلالات متعددة وتأثيرات إيجابية على عدة مستويات. على الصعيد الثقافي، تساهم هذه الزيارة رفيعة المستوى في زيادة الوعي العالمي بالتراث المصري الغني والجهود المبذولة للحفاظ عليه. إن مشاهدة ملك أوروبي يتفاعل بشكل مباشر مع هذه المواقع الأثرية العميقة يبعث برسالة قوية حول القيمة الحضارية لمصر.
أما على الصعيد السياحي، فإن مثل هذه الزيارات تخدم كدعاية غير مباشرة لمصر كوجهة سياحية آمنة وغنية بالمعالم. وسائل الإعلام الدولية التي تغطي الزيارة تبرز جمال وعمق المواقع الأثرية، مما قد يشجع المزيد من السياح من بلجيكا وبقية أوروبا على زيارة البلاد واستكشاف عجائبها بأنفسهم. هذا يدعم قطاع السياحة الحيوي لمصر ويسهم في الاقتصاد الوطني.
من الناحية الدبلوماسية، تؤكد الزيارة على متانة العلاقات بين مصر وبلجيكا كشريكين مهمين. إن اهتمام رأس دولة بتراث دولة أخرى يعمق الروابط ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون المستقبلي، سواء في مجال الأبحاث الأثرية، أو تبادل الخبرات في إدارة المتاحف، أو حتى في تعزيز التبادل الثقافي بين الشعبين.
في ختام جولته، أكد ملك بلجيكا فيليب على إعجابه الشديد بما شاهده من كنوز أثرية وجهود مصرية حثيثة في حماية تراثها الثقافي. تُعد هذه الزيارة مثالاً يحتذى به في كيفية استخدام الدبلوماسية الملكية لتعزيز الروابط الثقافية والدبلوماسية، وتقديم الحضارة المصرية القديمة كجسر للتفاهم بين الشعوب في العصر الحديث.